النَّاس عِنْده أَمْثَال الاباعر فِي جنب الله تَعَالَى ثمَّ يرجع إِلَى نَفسه فَيكون لَهَا أَحْقَر حاقر
وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حبك الشَّيْء يعمي ويصم
فالقلب وَاحِد فَإِذا أحب الدُّنْيَا أعماه وأصمه عَن الْآخِرَة فَإِن الْحبّ حرارة تتوقد فِي الْقلب فَإِذا ولج الْقلب حرارة الشَّهْوَة تعميه وتصمه عَن كل شَيْء سواهُ وَإِذا أحب الْآخِرَة أعماه عَن الدُّنْيَا وأصمه لِأَنَّهُ صَارَت لَهُ الْآخِرَة مُعَاينَة بِالنورِ الْوَارِد على قلبه وهاجت شَهْوَته لَهَا واستجر قلبه وتوقد فأعماه وأصمه عَن كل شَيْء سواهَا وَإِذا أحب مَوْلَاهُ أعماه وأصمه عَن جَمِيع مَا خلق وَعَن كل مَا سواهُ لِأَنَّهُ إِذا توقد نوره فِي قلبه انْكَشَفَ الغطاء عَن جَلَاله وعظمته وجماله وبهائه وكبريائه فأعماه وأصمه عَن كل شَيْء سواهُ وَهَكَذَا ركب فِي طباع الْآدَمِيّين أَن يسموا قلبه إِلَى الأرفع فالأرفع إِذا رأى أهل النَّعيم والزينة يُسَمِّي قلبه أعظمهم قدرا وأوفرهم حظا من ذَلِك وَإِذا عاين الْآخِرَة رق هَذِه فِي جنبها وَإِذا وَقع على قلبه من جلال الله وعظمته رق هَذَا كُله فِي جنب مَا عاين وَيُحب الْآدَمِيّ كلا على قدره وَأهل الْمحبَّة قوم سبقت لَهُم من الله تَعَالَى سَعَادَة زَائِدَة فاضلة على من دونهم من عُمَّال الله تَعَالَى اجتباهم بمشيئته وهداهم بإنابتهم وهم صنفان ذكرهمَا الله تَعَالَى فِي تَنْزِيله الْكَرِيم الله يجتبي إِلَيْهِ من يَشَاء وَيهْدِي إِلَيْهِ من ينيب
فَالْأول طَرِيق الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام بمشيئته اجتباهم وجذب قُلُوبهم إِلَيْهِ جذبة بمشيئته من غير تردد وتكلف وَطلب وَالثَّانِي طَرِيق الْأَوْلِيَاء المهذبين سَلام الله تَعَالَى عَلَيْهِم أنابوا وَسَارُوا إِلَيْهِ بقلوبهم وأوصلهم