إِلَى الوطن وَنَظره إِلَى الأحباب فعلى هَذِه الصّفة دله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يكون نَازع الْقلب إِلَى دَار السَّلَام مَادًّا عينه إِلَى الْملك العلام شاخصا أمله إِلَى دَعوته ينْتَظر مَتى يدعى فيجيب وَكلما قطع يَوْمًا من عمر خف ظَهره من أثقال الْعُمر وهاج شوقه ينْتَظر نفاد اللَّيَالِي وَالْأَيَّام الَّتِي أجلت لَهُ وَإِذا بلغ آخر يَوْمه قلق وضاق ذرعا لخوف الْخطر الَّذِي رَكبه وَأَنه لَا يدْرِي بِمَا يخْتم لَهُ فَإِذا كشف الغطاء عَنهُ وَبشر بالسلامة وأري مَكَانَهُ رق وَبكى من طول الغربة ومقاساة جهد النَّفس ثمَّ بَكَى فَرحا بلقاء مَوْلَاهُ ووصوله إِلَيْهِ والغريب مُنْفَرد منكسر الْقلب لَا يتهنى بعيش وَإِن كَانَ فِي سَعَة من الْعَيْش ونعمة لَا يتوجع لما ينوبه فِي سَفَره وَلَا يجزع لما يقاسي من الشدَّة لِأَنَّهُ يعلم أَن سَفَره مُنْقَطع
وَقَوله وعد نَفسك من أهل الْقُبُور أَن يَقُول سَاعَة بعد سَاعَة الْآن يحضرني أَمر الله تَعَالَى فيعد نَفسه مِنْهُم لَا من الْأَحْيَاء لِأَن أهل الْقُبُور قد انْقَطَعت أطماعهم من الْأَحْيَاء وَقَطعُوا الدُّنْيَا وَرفعُوا بالهم عَنْهَا وَلِهَذَا كَانَ السّلف يبادرون إِلَى تَصْحِيح الْأُمُور مَخَافَة أَن يُحَال مِمَّا يحافظ بَينهم وَبَين ذَلِك فَإِن الْأَمر قد غيب عَن الْخلق وَكَانَ عَامر بن عبد الْقَيْس رَحْمَة الله عَلَيْهِ يمر مسرعا إِلَى أَمر فَقيل لَهُ فَقَالَ أبادر طي صحيفتي وانْتهى كرز بن وبرة إِلَى قنطرة وَعَلَيْهَا زحام فَنزل عَن حِمَاره وَقَامَ يُصَلِّي وَقَالَ أكره أَن تبطل من عمري سَاعَة وَقيل لجَعْفَر بن برْقَان أَلا تخضب قَالَ أكره أَن يأتيني رَسُول رَبِّي وَأَنا مشتغل بِهِ وَسُئِلَ مُحَمَّد بن النَّضر عَن الصَّوْم فِي السّفر فَقَالَ الْمُبَادرَة الْمُبَادرَة فاغتنم وَسُئِلَ دَاوُد الطَّائِي عَن الرَّمْي وتعليمه فَقَالَ إِنَّمَا هِيَ أيامك فاقطعها بِمَا شِئْت