كَرِيمَة وَلَيْسَت فِيهَا كزازة وَلَا يبوسة وَلَا شعوثة فهم أَحْرَار كرام ولدتهم أمهاتهم من رق النُّفُوس وشهواتها وَالْآخرُونَ كَانَت الحزونة فِي تربتهم فَجَاءَت الكزازة والشعوثة والصعوبة ولدتهم أمهاتهم عبيدا قد ملكهم رق نُفُوسهم بشهواتها وَهُوَ قَول عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِيمَا يعظ بِهِ بني إِسْرَائِيل فَقَالَ لَا عبيد أتقياء وَلَا أَحْرَار كرماء
مَعْنَاهُ لَسْتُم من العبيد الَّذين يجاهدون أنفسهم ويتقون الله وَلَا من الْأَحْرَار الَّذين نَجوا من رق النُّفُوس فَسَارُوا إِلَى الله تَعَالَى سير الْكِرَام بِلَا تعريج وَلَا تردد وَالْبخل والضيق والحدة والعجلة والحقد والحرص وَمَا أشبهه من كزازة النَّفس والجود والسماحة وَالسعَة واللين والتؤدة والتأني والرفق من سهولة النَّفس وطيبها فنفوس الْعَرَب بارزة أخلاقها لَا ينكرها إِلَّا معاند وَلَا يجحدها إِلَّا مارد إِنَّهَا أَخْلَاق الْكِرَام فَبِهَذَا فضلوا لَا بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيّ وَالله تَعَالَى يحب معالي الْأَخْلَاق وَيبغض مدانيها
وَمِمَّا يُحَقّق ذَلِك مَا رُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي يَوْم بدر أَنه سمع رجلا يَقُول بعد مَا انصرفوا من بدر إِنَّمَا قتلنَا عَجَائِز صلعا فَأنْكر ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَه أُولَئِكَ الْمَلأ من قُرَيْش لَو نظرت إِلَى فعالهم لاحتقرت فعالك عِنْد فعالهم لَوْلَا أَن تطغى قُرَيْش لأخبرتها بِمَا لَهَا عِنْد الله تَعَالَى اللَّهُمَّ إِنَّك أذقت أول قُرَيْش نكالا فأذق آخرهَا نوالا
فالعرب بالأخلاق شرفوا وَإِلَّا فالشجرة وَاحِدَة وَهُوَ خَلِيل الرَّحْمَن