ربوبيته وولهت قُلُوبهم إِلَيْهِ دونه فابتداء هَذَا الْقلب الَّذِي وَصفنَا بِالنَّفْيِ لأرباب الأَرْض ثمَّ سما عَالِيا حَتَّى انْتهى إِلَى الرب الْأَعْلَى فَوقف عِنْده وتذلل وخشع لَهُ وَاطْمَأَنَّ وَوَلِهَ إِلَيْهِ وَقَالَ الله تَعَالَى لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى}

أَي أَن هَذِه أَرْبَاب متفرقون والرب الله الْوَاحِد القهار فهداه إِلَى الرب الْأَعْلَى وَقَالَ {وَأَن إِلَى رَبك الْمُنْتَهى}

فَهَذِهِ صُورَة فعل الْقلب فَلَمَّا احْتَاجَ إِلَى النُّطْق والإبراز بِاللِّسَانِ أعطي تِلْكَ الْحُرُوف فَفِي النَّفْي لَام وَألف وَفِي الْمُسْتَثْنى الَّذِي هُوَ الْمُنْتَهى ألف مخفوضة ولامان وَألف لِاجْتِمَاع قُوَّة اللامين على صُورَة فعل الْقلب يدلك على ذَلِك من قَوْلنَا كسر الْألف وخفضها لِأَن الْقلب من السفول ينزعج نافيا للأرباب ويصعد إِلَى الرب الْأَعْلَى بِالْألف الآخر من قَوْله إِلَّا فيثبته رَبًّا لَا شريك لَهُ وَاحِدًا لَا ثَانِي لَهُ أحدا لَا نَظِير لَهُ فَردا لَا ند لَهُ صمدا لَا شَبيه لَهُ حَيا لَا مثل لَهُ قيوما لَا زَوَال لَهُ إِلَهًا لَا وَله إِلَّا إِلَيْهِ

فَأَما قَوْله {وألزمهم كلمة التَّقْوَى} فَإِنَّهُ ألزم قُلُوبهم هَذِه الْكَلِمَة بِنور الْمحبَّة حَتَّى نطقوا بهَا وَذَلِكَ أَنهم أعْطوا الْمعرفَة مَعَ الْمحبَّة وأعطوا الْعقل وَالْعقل من نور الْبَهَاء فَوجدَ الْقلب حلاوة الْمحبَّة وَوجدت النَّفس فَرح زِينَة نور الْبَهَاء فسكن الْقلب وَاطْمَأَنَّ إِلَى الْحَلَاوَة واستقرت النَّفس للزِّينَة فنشر عَلَيْهِ التَّكَلُّم بقول لَا إِلَه إِلَّا الله وَهُوَ قَوْله {حبب إِلَيْكُم الْإِيمَان وزينه فِي قُلُوبكُمْ}

طور بواسطة نورين ميديا © 2015