عَن تَدْبِير الله وَتَقْدِيره وسياقته إِلَيْهِم {وَمن كَانَ فِي هَذِه أعمى فَهُوَ فِي الْآخِرَة أعمى وأضل سَبِيلا}
فَوضع الله الدُّنْيَا مَعَ زينتها وبهجتها وخلقنا فِيهَا فَحرم وَأحل وَأمر وَنهى فَمن انْتهى عَن الْمُحرمَات وَأدّى الْفَرَائِض وَتَنَاول من الدُّنْيَا فعبده بتناولها لِأَنَّهُ أَخذهَا على الْحَاجة وَمن السَّبِيل الَّتِي أطلقت لَهُ فقد خرج من الذَّم وَبرئ من الدُّنْيَا المذمومة وَإِن تنَاول بِشَهْوَة ونهمة فِي غَفلَة عَن الله تَعَالَى فقد أَخذ الدُّنْيَا المذمومة وَلَا يصل إِلَى هَذِه الْمرتبَة الَّتِي تَبرأ من عارها وذمها ووبالها إِلَّا من وصل إِلَى الله فعظمته على قلبه وخشيته فِي صَدره وَذكره دَائِم على لِسَانه فَلَيْسَتْ هَذِه دنيا مذمومة وَإِنَّمَا هُوَ رزق ومعاش وتزود يَأْخُذ العَبْد من مَوْلَاهُ ليقوم بخدمته لِأَنَّهُ خلقه للْخدمَة وَجعل هَذِه الْأَشْيَاء كلهَا سخرة لَهُ فَهُوَ يَأْخُذ من السخرة للْخدمَة وَالْآخر يَأْخُذ من هَذِه السخرة لقَضَاء الشَّهْوَة والنهمة ليفرح بِهِ أَيَّام الْحَيَاة ليلهيه ذَلِك الْفَرح عَن الله تَعَالَى ويورثه الْغَفْلَة حَتَّى يهتاج مِنْهُ الْكبر وَينظر إِلَى نَفسه وهيأته وَمَا أعطي من الدُّنْيَا فيعجب بِهِ فيفاخر النَّاس ويناطح أشكاله فَهُوَ عبد فرجه عبد بَطْنه عبد هَوَاهُ قد دخل فِي لعنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ قَالَ لعن عبد الدِّينَار لعن عبد الدِّرْهَم ثمَّ قَالَ بئس العَبْد عبد نسي الْمُبْتَدَأ والمنتهى بئس العَبْد عبد سَهَا وَلها وَنسي الْقَبْر والبلى بئس العَبْد عبد تجبر واعتدى وَنسي الْجَبَّار الْأَعْلَى بئس العَبْد عبد طمع يَقُودهُ بئس العَبْد عبد هوى يضله بئس العَبْد عبد يخْتل الدُّنْيَا بِدِينِهِ