الْهوى فيضلك عَن سَبِيل الله إِن الَّذين يضلون عَن سَبِيل الله لَهُم عَذَاب شَدِيد بِمَا نسوا يَوْم الْحساب)
أعلمنَا أَن نِسْيَان يَوْم الْحساب يجرئنا على اسْتِعْمَال الْهوى وَترك الحذر من الْعلم بالهوى وَأَعْلَمنَا فِي آيَة أُخْرَى أَن فِي يَوْم الْحساب إبلاء السرائر واستخراج حَاصِل الصُّدُور فَإِن قَالَ قَائِل إِن الله تَعَالَى وضع فِي علما وَمَعْرِفَة وَقُوَّة وذهنا وَغير ذَلِك من الْأَشْيَاء وَلَكِن مَنَعَنِي الْإِذْن فَبَقيَ هَذِه الْأَشْيَاء فِي غير عاملة وَلَا مستعملة فَمن حجَّة الله تَعَالَى أَن يَقُول إِنَّمَا أَعطيتك هَذِه الْأَشْيَاء ووضعتها فِي وعائك والوعاء هُوَ الْقلب وَالنَّفس فَإِذا ذهبت بقلبك ونفسك عني وَأَقْبَلت على الشَّهَوَات وَاسْتِعْمَال الْهوى فقد ذهبت بِالنَّفسِ وَبِمَا فِيهَا من هَذِه الْأَشْيَاء الْمَوْضُوعَة فِيك وَهِي نعم مني فِيك فَلَمَّا غيرت بِأَن ذهبت بِنَفْسِك انْقَطع الْإِذْن وَبقيت الْأَشْيَاء غير عاملة وَقَالَ فِي تَنْزِيله {ذَلِك بِأَن الله لم يَك مغيرا نعْمَة أنعمها على قوم حَتَّى يُغيرُوا مَا بِأَنْفسِهِم}
وَإِذا ذهبت بروحك وحياتك وقوتك وعلمك وذهنك وفهمك وفطنتك وحلمك وبصرك وكياستك فمازجتها بالهوى والهوى دنس قد خرج من النَّار وَمر بالشهوات فاحتملها إِلَى شهوتك الْمَوْضُوعَة فِي نَفسك فأثارها فأغبر عَلَيْك صدرك وَبقيت عينا الْفُؤَاد فِي الصَّدْر فِي ذَلِك الْغُبَار تائهة فغيرت النعم بِأَن قطعت الْإِذْن عَنْك فَإِن وقفت نَفسك بَين يَدي بِمَا فِيهَا من الْأَشْيَاء الْمَوْضُوعَة فقد بذلت نَفسك لي وصرت أَمينا من أمنائي فَأَذنت للأشياء الْمَوْضُوعَة فِيك إِذْنا عَاما لَا يحْتَاج إِلَى أَن تستأذنني فِي كل أَمر مِثَال هَذَا العَبْد الْمَحْجُور الَّذِي لم يوثق بأمانته فَإِنَّهُ يحْتَاج فِي كل تصرف إِلَى إِذن خَاص وَلَا يلْزم السَّيِّد ضَمَان مَا اسْتَدَانَ