وَجل فَلَا قوي أقوى مِنْهُ قد آيست النَّفس من إجَابَته إِيَّاهَا وآيس الْعَدو من غوايته
وَإِنَّمَا ندب العَبْد إِلَى التَّقْوَى وَصَارَ العَبْد لله وليا بِأَن حرس مَا فِي قلبه من الْمعرفَة لله وصيره فِي وقاية من آفَات النَّفس فَلَا يصل إِلَيْهِ آفاتها من أجل صون تِلْكَ الْجَوَاهِر فَإِن الْعَدو يَأْتِي بأضدادها يُرِيد أَن يَضَعهَا فِي تِلْكَ الْأَمْكِنَة وينفي عَن قلبه مَا وَضعه الله تَعَالَى فَإِن لم يقدر على النَّفْي غطاه بِمَا أورد عَلَيْهِ فَلبس عَلَيْهِ بِمَنْزِلَة رجل فِي يَده جَوَاهِر ودنانير فأكب عَلَيْهِ خائن مخادع يَصْحَبهُ ويخالطه فِي الْأَخْذ والإعطاء فَإِذا أَخذ مِنْهُ جوهرا لينْظر إِلَيْهِ يَأْخُذ ياقوتة حَمْرَاء فَلَا يزَال يقلبها فِي كَفه ينْتَظر بلاهته ويلتمس غرته حَتَّى يُبدلهُ بهَا خرزة حَمْرَاء صَافِيَة تشبهها وَصَاحبه قَلِيل الْبَصَر بالجواهر إِنَّمَا مَعْرفَته بهَا مَا ينظر إِلَيْهِ من ظَاهرهَا وَيَأْخُذ مِنْهُ لؤلؤة فيبدل بهَا عظما صافيا يشبهها وَيَأْخُذ مِنْهُ فيروزجا فيبدله بخزف ملون أَزْرَق صقيل وَيَأْخُذ مِنْهُ زمردة فيبدل بهَا فلقَة من جَوْهَر الزّجاج وَيَأْخُذ مِنْهُ دِينَارا فيبدل بِهِ فلسًا أصفر مدورا فَهُوَ لَا يعرف من الدِّينَار إِلَّا صفرته وتدويره وكتابته وَمن الزمرد إِلَّا خضرته وَمن اللؤلؤة إِلَّا بياضها وَمن الياقوتة إِلَّا حمرتها فَإِذا رأى مثلهَا من الْهَيْئَة لم يُنكر ذَلِك
فَكَذَلِك هَذَا الموحد أعطي الْمعرفَة ليوحد وَيتَوَجَّهُ إِلَى الْوَاحِد وَيقبل على الْوَاحِد ويبذل نَفسه لَهُ عبودة ويأتمنه على نَفسه ويتخذه وَكيلا ويفوض إِلَيْهِ أُمُوره وَيتْرك التَّدْبِير عَلَيْهِ ويثق بِهِ ويركن إِلَيْهِ ويتذلل لربوبيته ويتواضع لعظمته ويتزين لبهائه ويتخذه عدَّة لكل نائبة من دنيا وآخرة
فَلَمَّا رأى الْعَدو ذَلِك حسده وشمر لاستلاب مَا أعطي العَبْد فَلم يقدر أَن يكابره ويستقبله بالقهر كَمَا قهر الْكفَّار وكابرهم وَلكنه خادعه وأخفى خداعه فِي ظلّ النَّفس فَهُوَ يوسوس إِلَى النَّفس وَالنَّفس توسوس