أَشد من الْجبَال قَالَ نعم الْحَدِيد قَالَت يَا رب هَل من خلقك شَيْء أَشد من الْحَدِيد قَالَ نعم النَّار قَالَت يَا رب هَل من خلقك شَيْء أَشد من النَّار قَالَ نعم المَاء قَالَت يَا رب هَل من خلقك شَيْء أَشد من المَاء قَالَ نعم التُّرَاب قَالَت يَا رب هَل من خلقك شَيْء أَشد من التُّرَاب قَالَ نعم الرّيح قَالَت يَا رب هَل من خلقك شَيْء أَشد من الرّيح قَالَ نعم الْإِنْسَان يتَصَدَّق بِيَمِينِهِ يخفيه من شِمَاله هَذِه رِوَايَة أنس رَضِي الله عَنهُ
وروى عَليّ رَضِي الله عَنهُ هَذَا الحَدِيث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ عِنْدَمَا بلغ ذكر خلق الْإِنْسَان فِي هَذَا الحَدِيث ثمَّ خلق الْإِنْسَان يغلب الرّيح يتقيها بِيَدِهِ ثمَّ خلق النّوم يغلب الْإِنْسَان ثمَّ خلق الْهم يغلب النّوم فأشد خلق رَبك الْهم
فَحَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ مُوَافق لحَدِيث أنس رَضِي الله عَنهُ لِأَنَّهُ إِذا صَار يتَصَدَّق سرا يخفي ذَلِك السِّرّ بِيَمِينِهِ من شِمَاله كَانَ قَوِيا وَهَذَا تَمْثِيل فاليمين هِيَ الْقلب وَالشمَال هِيَ النَّفس أَلا ترى أَن الطَّاعَة تخرج من إِيمَان الْقلب والمعاصي من شهوات النَّفس فَتَأْوِيل هَذِه الْكَلِمَة عندنَا الَّذِي قَالَ يتَصَدَّق بِيَمِينِهِ يخفيها من شِمَاله أَي يتَصَدَّق بِقَلْبِه ويخفيها من نَفسه فالإيمان فِي الْقلب والهوى فِي النَّفس فَإِذا أخفاها من الْهوى فَهَذَا الْإِنْسَان يغلب الرّيح يتقيها بِيَدِهِ كَمَا وَصفه عَليّ رَضِي الله عَنهُ لِأَن الْهوى تنفس النَّار فَهُوَ ريح يخرج مِنْهَا فتمر بِبَاب النَّار فَتحمل الشَّهَوَات إِلَى الْآدَمِيّ إِلَى الْموضع الَّذِي قد ركب فِي الْآدَمِيّ من تِلْكَ الشَّهْوَة حَتَّى يثيرها فيشتغل فِي الْعُرُوق وَيَأْخُذ الْقلب فمرجع الرِّوَايَتَيْنِ إِلَى شَيْء وَاحِد وَهُوَ أَن يعْمل عملا مبتدأه من الْإِيمَان من الْقلب فيسره من الْهوى وإسراره أَن لَا يلْتَفت إِلَيْهِ حَتَّى يعجب بِهِ أَو يرى لنَفسِهِ عملا فيتكل عَلَيْهِ وَإِذا تعلق بِالْأَعْمَالِ نزع يَده من التَّعَلُّق بِالرَّحْمَةِ فوكله الله إِلَى نَفسه وَعَمله وَمِنْهَا بَدَأَ هَلَاكه وَلذَلِك قَالَ الله