وَوجه آخر أَن عين قلبه مَادَّة إِلَى جَلَاله وعظمته يسْأَل بذلك نزاهة الْيَقِين فَيَزْدَاد حَيَاة بِاللَّه وَلم يسره يُرِيد بذلك تصفيته مِمَّا يخالط من فتْنَة النَّفس لِأَن نفس هَذَا قد مَاتَت وافتقدت وساوسها قَالَ لَهُ قَائِل هَذَا لم لم يعلن الْعَمَل حَتَّى يَقْتَضِي بِهِ الْخلق قَالَ صَاحب هَذَا قد لَهَا عَن الثَّوَاب وَوَلِهَ بالماجد الْكَرِيم
وَمن وَجه آخر يسره يُرِيد بذلك أَن يغيبه عَن أعين الْخلق فَإِنَّهُم إِذا رَأَوْا صَلَاة وصوما وَصدقَة رَأَوْا زِينَة وبهاء وزهدا ونزاهة وسخاء فأكرموه وعظموا مَنْزِلَته فَإِنَّمَا يسر أَعماله لِئَلَّا يكْتَسب بهَا من الْخلق هَذِه الْمنزلَة غيرَة لرَبه
وَإِذا أسرها من هَذَا الْوَجْه كَانَ مِمَّن يباهي الله بِهِ مَلَائكَته وَقَالَ هَذَا عَبدِي حَقًا وَلم يكن الله ليباهي بِهِ ويثني عَلَيْهِ ثمَّ لَا يفِيدهُ شَيْئا وَأول مَا يفِيدهُ أَن ينشر ثَنَاؤُهُ الَّذِي أثنى بِهِ عَلَيْهِ فِي مَلَائكَته على قُلُوب أهل الأَرْض حَتَّى ينْظرُوا إِلَيْهِ بِتِلْكَ الْعين وتتناسم الْأَرْوَاح بِرُؤْيَتِهِ وتتباشر الْقُلُوب بلقائه وتلتذ الْعُيُون الشاخصة بِالنّظرِ إِلَيْهِ
قَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِذا كَانَ يَوْم صَوْم أحدكُم فليدهن شَفَتَيْه وَإِذا تصدق فليخف يَمِينه عَن شِمَاله وَإِذا صلى فليدل على بَابه ستره فَإِن الله تَعَالَى يقسم الثَّنَاء كَمَا يقسم الرزق
فَهَذِهِ وُجُوه إسراره للْعَمَل
وَإِذا أعلنه فَإِنَّمَا يعلنه حبا لِأَن يعبد الله فِي أرضه بِمثل مَا يعبده نصيحا لله فِي ذَاته وَفِي دينه وَفِي كِتَابه وَرَسُوله وخلقه
وَلذَلِك قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا إِن الدّين هُوَ النَّصِيحَة ثَلَاث مَرَّات