وَإِنَّمَا صَار عمل السِّرّ مضاعفا على الْعَلَانِيَة بسبعين ضعفا من جِهَات فجهة مِنْهَا إِن الَّذِي يسرها إِنَّمَا أسرها ليصفو لَهُ لِأَنَّهُ إِذا أحست نَفسه بشعور النَّاس بِهِ علمت أَنه ينَال بذلك عِنْد الْخلق رفْعَة وكرامة وَصَارَت لَهُ من الْقلب منزلَة تقضي حَوَائِجه ويعظم فرحت بذلك فَإِذا هُوَ يطْلب الْجَزَاء من الله تَعَالَى وَالثَّوَاب من الْخلق فَهَذَا الَّذِي فِي نَفسه هَذِه الْفِتْنَة كائنة يُجَاهد نَفسه فِي وَقت الْعَمَل إِذا أعلن بِهِ حَتَّى يُنكر عَلَيْهَا ذَلِك وَلَا يرضى وَلَا يقبل مِنْهَا هَذِه الوساوس فَإِن أغفل المجاهدة طرفَة عين وجد نَفسه فِي عين هَذِه الْفِتْنَة فَصَاحب هَذَا ضَعِيف الْيَقِين وَإِذا هرب من الإعلان فَأسرهُ ضوعف لَهُ عمله بسبعين ضعفا لِأَنَّهُ يفرغ لله قلبه من أشغال النَّفس فَإِذا أعلنها نصحا لله تَعَالَى فِي عباده وحبا لِأَن يعبده الْخلق صَار السبعون مضاعفا الضعْف الَّذِي لَا يُحْصِيه إِلَّا الله تَعَالَى
فَإِذا لم يكن من رجال الإعلان وَلم يبلغ قلبه من الْمنَازل محلا تَمُوت فتْنَة نَفسه ويفتقد مِنْهَا حب الْمَدْح من الْخلق وَفَرح الرياسة والعلو أمسك عَن الإعلان وأسره وَصفا الْعَمَل لصَاحبه بِتِلْكَ النِّيَّة الصادقة وسلمت النِّيَّة بِمَا أسره فَهَذَا الْوَجْه للمقتصدين
وَوجه آخر للسابقين المقربين فَإِذا أسر الْعَمَل إِنَّمَا يسره ليخلو بربه فِي تِلْكَ الطَّاعَة فَإِن الله تَعَالَى مَوْجُود بِكُل مَكَان وَفِي كل طَاعَة فَإِذا أسر الْعَمَل وخلا بربه برز لَهُ وجوده فِي صَدره بَين عَيْني فُؤَاده فَمن يقدر أَن يصف ذَلِك البروز وَتلك الْحَلَاوَة وَذَلِكَ الطّيب وَمن يقدر أَن يصف تصور الْقلب فِي أَحْوَاله وهشاشة النَّفس فِي أحوالها وَهُوَ قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ سَأَلَهُ جِبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام مَا الْإِيمَان وَمَا الْإِسْلَام وَمَا الْإِحْسَان فَأَجَابَهُ فِي كل مَسْأَلَة وَقَالَ فِي الْإِحْسَان أَن تعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ فَإِن لم تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك قَالَ فَإِذا فعلت ذَلِك فَأَنا محسن قَالَ نعم قَالَ صدقت قَالَ فعجبنا من تَصْدِيقه لَهُ لأَنهم لم يعرفوا