المتقدمون أولى بالشفقة على الْأمة والحرص على الدّين والنصيحة لله فشغلهم إصْلَاح أنفسهم عَن الْخَوْض فِي هَذِه الْأَشْيَاء حَتَّى يلهيه عَن عُيُوب نَفسه وَيُقَال لهَذَا المعجب إِن كَانَت هَذِه الْفَضَائِل لمن تفقه فِي هَذَا النَّوْع الْوَاحِد وَكَيف إِذا فقهت كَلَام رب الْعَالمين الَّذِي أدب بِهِ عبيده ووعظهم وَعطف بِهِ عَلَيْهِم كي يجعلهم غَدا ملوكا فِي دَار السَّلَام
فَمن فقه عَن الله عز وَجل قَوْله {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرا يره} أمسك عَن الصَّغِير وَالْكَبِير والدقيق والجليل من الشَّرّ وَلم يستحقر مَا دق من الْخَيْر وَصغر وَلم يستهن بِهِ وأمات هَذَا الْوَعيد من نَفسه البطالات كلهَا أَلا ترى إِلَى الْأَعرَابِي الَّذِي سمع من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه السُّورَة قَامَ وَركب رَاحِلَته وَقَالَ حسبي حسبي وَمر على وَجهه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقه الْأَعرَابِي فَهَكَذَا يكون الْفِقْه
وَمن فقه مَا فِي السُّورَة من شَأْن الأَرْض وأخبارها عَن السرائر وَذكر الصَّدْر من بَين يَدي الله {أشتاتا ليروا أَعْمَالهم} ثمَّ وجد أَعماله موزونة بمثاقيل الذَّر من الْخَيْر وَالشَّر كَيفَ لَا يكون هَذَا حَسبه فِيمَا بَينه وَبَين الله
وَمن فقه عَن الله قَوْله عز وَجل {وَنَضَع الموازين الْقسْط ليَوْم الْقِيَامَة} الْآيَة فَكيف لَا يكون هَذَا حَسبه فِيمَا بَينه وَبَين الْعباد حَتَّى ينصف الْخلق من نَفسه وَيُؤَدِّي إِلَى كل ذِي حق حَقه من نَفسه وَمَاله
وَمن فقه عَن الله قَوْله تَعَالَى {وَمَا من دَابَّة فِي الأَرْض إِلَّا على الله}