وَإِذا التقى الْقلب وَالنَّفس للمحاربة والتقى الْجَمْعَانِ كَانَت صفته كجبرئيل مَعَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم بدر وإبليس مَعَ الْكفَّار يشجعهم وَيُقَوِّي أَمرهم ويعدهم ويمنيهم فَلَمَّا رأى جبرئيل نكص على عَقِبَيْهِ هَارِبا وَقَالَ {إِنِّي أرى مَا لَا ترَوْنَ إِنِّي أَخَاف الله} وَإِنَّمَا خَافَ الْأسر أَن يأسره جبرئيل فيفضحه ويريه النَّاس فهرب وَترك الْجمع
وَكَذَلِكَ الْهوى لما رأى الْمعرفَة بسلطانها قد أَقبلت وَالْعقل على مقدمتها وَالْعلم بِاللَّه مُحِيط بالعسكر والجنود نكص الْهوى على عَقِبَيْهِ وتبرأ من الْجنُود ثمَّ من بعد هَذَا ملك آخر لأولياء الله وَهُوَ أَن يحصل الْقلب فِي سُلْطَان قَبضه الله ويملكه الله ويستعمله فَإِذا تعدى فِي الظَّاهِر لم يفْسد وَلم يخرب وَلم يخبر أحد أَن يَسْتَعْمِلهُ بتغيير لِأَن ذَلِك حد الله فِي الْبَاطِن وَقد خَفِي على الْخلق وَالْحَد عِنْدهم فِي الظَّاهِر غير ذَلِك فَهَذَا قلب غلب عَلَيْهِ سُلْطَان القبضة فملكه وَاسْتَعْملهُ الله فِي قَبضته كَمَا اسْتعْمل الْخضر فِي خرق السَّفِينَة وَقتل الْغُلَام وَكَانَ ذَلِك فِي الْبَاطِن حد الله وَفِي الظَّاهِر مخفيا عِنْد الْخلق وَلذَلِك أنكرهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَهَذِهِ قُلُوب ملكهَا سُلْطَان القبضة وَتلك قُلُوب ملكهَا سُلْطَان الْحق والقلوب الَّتِي ذكرنَا بدءا ملكهَا سُلْطَان النَّفس
وَمِمَّا يُحَقّق مَا قُلْنَا مَا رُوِيَ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه مر بِرَجُل وَهُوَ يُقَاوم امْرَأَة فأصغى إِلَيْهِ سَمعه فَأنْكر مَا سَمعه مِنْهُ فَشَجَّهُ فجَاء الرجل إِلَى عمر رَضِي الله عَنهُ والدماء تسيل فَقَالَ وَيحك من فعل بك قَالَ عَليّ فَقَالَ عمر مَا هَذَا يَا أَبَا الْحسن فَقص عَلَيْهِ فَقَالَ عمر أصابتك عين من عُيُون الله إِن لله فِي الأَرْض عيُونا وَإِن عليا من عُيُون الله