من باب الجنان إلى باب قنسرين وذلك من شمالي حلب إلى جنوبها وكانت هذه الأبراج عظيمة كل واحد منها يضاهي قلعة وعدتها نيف وعشرون برجا ارتفاع كل برج منها فوق أربعين ذراعا وسعته ما بين الأربعين إلى الخمسين. وكل برج له رواقات تستر المقاتل من حجارة المنجنيق والنشاب، وسفح من السور والأبراج في الميل إلى الخندق فصار كله كالقلعة العظيمة والذي دعاه إلى ذلك الخوف من رجوع التتار إلى حلب بعد أن نازلوها ورجعوا عنها خائبين ولما فرغ من تحصينها على ما ذكرناه بلغت أبراج السور وبدناته مائة وثمانية وعشرين برجا وبدنة ومحيطه خارجا عن دور القلعة ستة آلاف وستمائة وخمسة وعشرين ذراعا.

فاستمرت حلب على هذه المنعة والحصانة إلى أن عاودها التتار ودخلت تحت قبضة هولاكو سنة 658 هـ فخرب أسوارها وأبراجها تخريبا فاحشا ودامت خرابا إلى سنة 693 هـ وفيها اهتم الأمير سيف الدين كمشبغا الحموي بعمارتها وعمل لها أبوابا تغلق عليها وكان بين باب الجنان وباب النصر باب يقال له باب العبارة «1» فجدد بناءه وسماه باب الفرج. وكان بحلب قديما باب يقال له باب الفرج بالقرب من باب العافية لصيق قصر كان ينسب إليه فيما مضى خانقاه القصر، فخربه الملك الظاهر غازي.

ثم إن السور بقي مرمما إلى أن جاء تمرلنك «2» فأخذ حلب وخربها وأحرقها وهدم أسوارها ونزح عنها فكان بعد ذلك كل من يجيء إليها من النواب يأمر ببناء شيء من السور على غير إحكام إلى أن تسلطن الملك المؤيد شيخ وجاء حلب في المرة الثالثة من قدماته إليها سنة 820 هـ وفحص عن أمر السور القديم وركب بنفسه ودار على الأسوار وأمر ببنائها على ما كانت عليه قديما من باب العراق إلى باب الأربعين بناء محكما، وأن يرمم السور البراني من جهة خندق الروم، فشرع في ذلك وأمر بجمع المال من حلب وغيرها فانهدمت مساجد ومدارس وأخذت أملاك كثيرة بغير حق وكانت مبنية على أماكن من السور القديم. وكان ابتداء العمارة من رأس قلعة الشريف من جهة الشرق آخذة إلى جهة الغرب. ووصل البناء إلى القرب من باب الجنان غربا وإلى تجاه حمام الجرن الأسود المعروف بحمام الذهب شرقا. وأسس الباب الذي كان أمر بعمله مكان باب العراق وبابا عن باب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015