وجوب العبادة علينا وطلبها منا بل يتوقف بعده على الطلب والإيجاب، وعلى هذا التقدير لا نعلم أن قبل الإيجاب هل بقاؤنا مطلوب للشارع أم لا؟. فلا يكون مجرد خلقنا للعبادة دالاً على الانتفاع بما هو من أسباب البقاء ما لم يوجب للعبادة، فإذا أوجب ذلك فربما دل عليه لو لم يجز تكليف ما لا يطاق.
[حكم تعلم أصول الفقه]
ولنختم هذا النوع: ببيان أن تعلم أصول الفقه من فروض الكفايات، فإنه من مبادئ هذا العلم فيناسب ختمه به.
فنقول: الدليل عليه أن الحادثة إذا نزلت بالمكلف، فإما أن يكون مأمورًا عنده [بشيء أو لا يكون، بل حاله عنده] كحاله قبله.
وهذا الثاني: باطل بإجماع الأمة لاقتضائه عدم التكليف، فيتعين الأول: وهو إما معرفة حكم الله فيها وما يتعلق به من العمل "أو غيره" الثاني باطل وفاقا، فيتعين الأول: وهو إما معرفة ذلك الحكم بالبناء على طريق أولا بالبناء عليه، بل بمجرد التشهي والاختيار، وهذا الثاني: باطل بإجماع الأمة. على أن المكلف غير مخير بين النفي والإثبات في الوقائع النازلة به، بل هو مأمور بأن يبني حكم الحادثة على الاجتهاد إن كان عالمًا، أو على الاستفتاء إن كان عاميًا، والطرق الموصلة إلى معرفة الأحكام هي أصول الفقه، وقد ثبت أن معرفتها بناء على طريق واجبه، وقد ثبت توقف معرفتها على معرفة أصول الفقه، فيجب معرفة أصول الفقه لما ثبت أن ما يتوقف عليه الواجب المطلق وكان مقدورًا للمكلف فهو واجب، ثم أنه غير واجب على العين لإجماع الأمة على جواز الاستفتاء للعامي فهو إذن على الكفاية.