فثبت بما ذكرنا أنه لا عبرة في الحكم بالقبح للأمارة الخفية ولا بمجرد احتمال المفسدة، بل المعتبر فيها، هو الأمارة الظاهرة وقد سلمتم أن العلم بخلو الشيء عنها ممكن فلا يكون ما فرضناه من أنه انتفاع خال عن أمارات المفسدة فرض محال، إذ المراد منها الأمارات الظاهرة.

وثالثها: أن الإباحة فيما نحن فيه تجري مجرى التمكين واللطف، وهو واجب فالإباحة واجبة.

بيانه: أن خلق الله في الفواكه والأطعمة الألوان البهية المرعية، والطعوم الشهية المشوقة، مع اقتدار المكلف على تناوله وخلق الداعية فيه له مع علمه بأنه تعال: لا يتضرر بذلك ولا يبخل بها عنه لتنزهه عن التضرر، والبخل يجري مجرى تقديم الطعام الشهي ممن هو مستغن عنه إلى الضعيف الفقير المحتاج إليه وتمكين هذا الضعيف من تناوله واجب عرفا بدليل أنه يقبح منه المنع عن تناوله عرفا وكذا يقبح منه سائر أسباب ما يمنعه من تناوله، وإذا قبح ذلك عرفًا وجب أن يقبح عنده.

يقال أيضًا لقوله عليه الصلاة: "ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن وما رآه المسلمون قبيحًا فهو عند الله قبيح".

وبقياس الغائب على الشاهد، وإذا كان عنده قبيح وجب أن لا يفعله لأنه تعال: ليس بفاعل القبيح وفاقا، وإذا قبح المنع لزم الإذن ضرورة أنه لا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015