فإن قلت: لا يلزم من نفي الوجوب الإذن في الترك، بل يلزم منه نفي الحرج عن الترك، وهو لا يستلزم الإذن فيه، إذ هو حاصل عندنا في أفعال العقلاء وتروكهم قبل الشرع مع عدم الإباحة.
قلت: لما ثبت بما ذكرنا الإذن في الانتفاع، وجب أن يثبت ذلك في جانب الترك لعدم القائل بالفصل.
وثانيها: أن الانتفاع بما لا يقضي العقل فيه بالقبح، لعدم أمارة موجبة له انتفاع خال عن أمارات المفسدة ولا مضرة فيه على المالك "فوجب أن يكون مباحًا إما أنه انتفاع خال عن أمارات المفسدة فظاهر، إذ الكلام مفروض فيه وإما أنه لا مضرة فيه على المالك"، [فلأن] المالك هو الله تعالى والضرر عليه محال، وإما أنه متى كان كذلك وجب أن يكون مباحًا، فبالقياس على الاستظلال بحائط الغير، والنظر في مرآته، والاستضاءة بضوء سراجه، والتقاط ما تناثر من حبات زرعه، وفتات خبزه، والجامع هو ما ذكرنا من الوصف المناسب.
فإن قلت: لا نسلم أنه خالٍ عن أمارات المفسدة قوله: إن الكلام مفروض فيه.
قلنا: هو فرض محال، وهذا لأنه لا سبيل إلى العلم بعدم الأمارة حتى يمكن الجزم بأنه خال عنها، بل غايته عدم العلم بها، لكن قد عرفت أنه لا يدل على العدم.