وأما في صورة المجاز إذا خرجت الحقيقة عن الإرادة، يحتاج في صرف اللفظ إلى المجاز، إلى تأمل واستدلال وقرينة معينة لنوعه وفرده، وربما يقع التعارض بين ذلك النوع وبين نوع آخر، وبين ذلك الفرد وفرد آخر، من ذلك النوع، أو من غيره، فيتوقف فيه فيتعطل المقصود، وهذه الكلفة والمفسدة غير حاصلة في التخصيص فكان أولى.
ورابعها: أنا وإن قلنا: أن العام المخصوص مجاز، لكن العمل به عمل بالحقيقة من وجه، وبالمجاز من وجه، والمجاز ترك لحقيقة اللفظ بالكلية فكان التخصيص أولى.
وخامسها: التخصيص فيما يتصور فيه أكثر من المجاز فيما يتصور فيه التجوز، إذ ما من عام إلا وقد خص عنه البعض، إلا قوله تعالى: {والله بكل شيء عليم} {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} وليس كل لفظ يتصور فيه التجوز فهو مجاز، والكثرة تدل على قلة المفسدة فيه.
فإن قلت: هذه القاعدة التي ذكرتموها مرارا، وهي أن الكثرة تدل على رجحان المصلحة، أو على قلة المفسدة، منقوضة بما ذكرتم أن المجاز أكثر من الحقيقة، لأنه حينئذ يلزم أن يكون المجاز راجحا في المصلحة على الحقيقة، أو أقل مفسدة منها، وعلى التقديرين يلزم ألا يكون المجاز خلاف الأصل، لكن قد ذكرتم أنه خلاف الأصل، وهو تناقض.
قلت: الذي ذكرنا أن المجاز أكثر من الحقيقة ليس هو المجاز اللغوي فقط بل