أما أولًا: فلأنا لم نجد بعد البحث والطلب الشديد أصلًا يقاس عليه إلا الأصل الفلاني لكن الفارق الفلاني موجود ومعه لا يصح القياس، وعدم الوجدان بعد البحث التام والطلب الشديد عذر في حق المجتهد فكذا في حق المناظر لكونه تلوه فيكون معذورًا في عدم وجدان أصل آخر.
وأما ثانيًا: فلأن استصحاب العدم الأصلي يقتضي عدم غيره من الأصول، فثبت بهذا أن شيئًا من هذه الأدلة الثلاثة غير موجود فوجب أن لا يكون الحكم ثابتًا لما ثبت من الملازمة بين الحكم ودليله.
والسؤال عليه من وجوه.
أحدها: من جهة الاستدراك، وتقريره: أن كل مقدمة لا يمكن تمشية الدليل إلا بها، فلو كانت تلك المقدمة مستقلة بالإنتاج كان التمسك بها في أول الأمر أولى.
وقد علم أن كل ما ذكرتم من الدلالة لا يتم إلا إذا ثبت أن عدم الوجدان بعد البحث التام والفحص العام يدل على عدم الوجود، وأن الأصل بقاء ما كان على ما كان، والأشياء كانت على العدم في الأزل، فوجب استمراره عليه إلى أن يدل دليل على خلافه، ومعلوم أنه لو صحت هاتان المقدمتان لكانتا مستقلتين بإنتاج المطلوب، فإنه يقال في أول المسألة: الحكم الشرعي لابد فيه من دليل، لما سبق، ولم يوجد الدليل؛ لأن عدم وجدانه بعد البحث التام والطلب الشديد يدل على عدم وجوده.
أو يقال: الحكم لابد له من دليل لما سبق ولم يوجد الدليل لأن الدلائل بأسرها كانت معدومة في الأزل والأصل بقاء ما كان على ما كان، فوجب بقاؤها على العدم ترك العمل به في الأدلة التي وجدناها فوجب فيما عداها