وأجيب عنه: بان ليس المطلوب فيها الظن كيف ما كان بدليل أنه لا يجوز الاكتفاء بالظن الضعيف مع القدرة على الظن القوى ولا شك أن الظن الحاصل من التقليد أضعف من الظن الحاصل من النظر في الدليل فحينئذ يلزم أن لا يجوز الاكتفاء بالتقليد مع القدرة على النظر في دليل المسالة، ولهذا قلنا: لا يجوز الاكتفاء بالظن في المطالب الأصولية؛ لأن المكلف قادر على تحصيل اليقين فيها لوجود الدليل المقيد لليقين ولا مكان النظر.
واعترض عليه أيضًا: بالنقض بقضاء القاضي، فإنه لا يجوز خلافه وإن كان ذلك تقليدًا إذ لا معنى للتقليد سوى قبول الحكم من غير حجة.
وإن كان المجتهد متمكنًا من معرفة الحكم بالنظر في الدليل وبالقرب من الرسول- عليه السلام- فإنه متمكن من الوصول إلى المسألة مع أنه يجوز له أن يسأل من أخبر عن الرسول- عليه السلام- وأجيب عن الأول: أنا نمنع أن ذلك التقليد، وهذا لأن الدليل لما دل على أن الحكم الذى قضي القاضي به لا يمكن نقضه بالاجتهاد والنظر لم يكن العمل بما قضى القاضي به تقليدًا بل هو محمل بذلك الدليل.
فإن قلت: هذا يقتضى أن لا يكون قبول العامي قول المفتي تقليدًا؛ لأنه لما دل الدليل على وجوب قبول قوله كان العمل به عملا بذلك الدليل فلا يكون تقليدًا وهو خلاف الإجماع.
قلت: لكن ذلك الدليل ووجه دلالته على المطلوب لا يعرفه العامة فيكون ذلك تقليدًا في حقه بخلاف الدليل الدال على عدم جواز نقض قضاء القاضي فإنه يعرفه المجتهد فلا يكون ذلك تقليدًا في حقه.
وأجيب عن الثاني: بمنع الحكم ولئن سلم لكن لما دل القاطع على وجوب قبول خبر الواحد لم يكن ذلك تقليدًا.