للاجتهاد، أو أنه وإن كان أهلا وما قصر في الاجتهاد لكن وجد في المسألة نص قاطع، أو إجماع، أو قياس جلى، وهو بعد البحث التام والاستقصاء البالغ لم يجده وحكم بخلافه، وما ذكرنا من الدليل يحمل على ما إذا لم يوجد شيء من هذه الأمور وإذا أمكن هذا النوع من التوفيق لم يجز المصير إلى الترجيح لاستلزامه الترك بأحد الدليلين.
قلت: حمل تخطئة الصحابة بعضهم لبعض، أو لنفسه على ما ذكرتم من الصور الثلاث خلاف الظاهر.
أما الأول: فلأن الظاهر منهم عدم التقصير في الاجتهاد، بل المعهود منهم المبالغة التامة في ذلك حتى نقل عن بعضهم أنه كان يبقى في الاجتهاد في مسألة مدة مديدة، ويراجع نفسه فيها مرة بعد مرة مع المساءلة والمذاكرة مع الغير وطلب الاستعانة من الله تعالى، ومعلوم أن التقصير في ذلك من مثل هؤلاء بعيد غاية البعد وأما الثاني فغير ممكن لأنه لا يمكن إحالة التخطئة إلى عدم أهلي الاجتهاد لإجماع الأمة على أهليتهم للاجتهاد.
وأما الثالث فكذلك؛ لأن من الظاهر أن لا إجماع إذ ذاك من/ (316/ أ) غيرهم فإن كان هناك إجماع فهو منهم فيستحيل ذهولهم عنه.
وأما النص والقياس الجلي فالظاهر اطلاعهم عليهما لشدة بحثهم عن الأدلة الشرعية، ولكونهم نقلة الشريعة فمن البعيد أن يخفى عليهم لاسيما وقوع الحادثة واشتهارها فيما بينهم، فهذا ما أردنا أن نذكر من أدلة الفريقين في هذه المسألة.