الفصل الرابع
في ترجيح القياس بسبب حكم الأصل
اعلم أنه لابد للحكم في الأصل من دليل فإما أن يكون ذلك الدليل قطعيا أو ظنيًا، وعلى التقديرين فدليل حكم الأصل في القياس الثاني إما أن يكون قطعيا، أو ظنيا، فهذه أقسام ثلاثة يجب البحث عنها:
فإن كان الدليلان قطعيين فإن قلنا: بجريان الترجيح بين القطعيات جرى بين دليليهما الترجيح فما يكون دليله أجلى وأرجح عند العقل فهو راجح.
وإن لم نقل بجريان الترجيح بين القطعيات فإن كان دليل أحدهما إجماعا والأخر نصًا قاطعًا في متنه ودلالته كان ما دليله الإجماع راجحًا على الأخر؛ لأنهما وإن اشتركا في القطع في صحة المتن والدلالة لكن النص قابل للنسخ، والإجماع لا يقبله فكان أولى، وهذا على رأي من يقول: أن الإجماع حجة قاطعة، وأما من لا يرى ذلك فلا، وإن لم يكنن كذلك بل كلاهما نصان تعارضا.
وإن كان الدليلان ظنيين فإما أن يكونا لفظتين، أو إجماعين، أو قياسين إن جوز أن يكون حكم الأصل ثابتًا بالقياس أو مختلفين.
فإن كانا لفظين جرى بينهما الترجيح، وقد عرفت تراجيح النصوص فلا حاجة إلى الإعادة.
وان كانا إجماعين جرى بينهما الترجيح أيضًا، [وقد عرفت أيضًا التراجيح بين الإجماعات الظنية.