ومن هذا يعرف أيضا رجحان المناسبة على السبر إذا كان دليل مقدماته نصا ظنيا، لأن دلالته عليها تتوقف على مقدمات آخر نحو بيان صحة متنه، وكيفية دلالته، وعدم سائر الاحتمالات التي تقدح في الدلالة اللفظية تحو عدم التخصيص، والمجاز، والنسخ، فتكثر مقدمات السبر؛ ولهذا رجحنا دلالة القياس على دلالة عموم اللفظ حتى جوزنا تخصيصه به وإن كان متنه قاطعا، وإذا كان كذلك كانت المناسبة أولى.
وثانيها: القياس على تقديم دلالة القياس على دلالة عموم النص وإن كان متنه قاطعا بل بالطريق الأولى فإنه إذا قدم القياس على عموم دلالة النص وإن كان متنه قاطعا مع أن مقدمات النص أقل من مقدمات القياس فلأن تقدم المناسبة التي مقدماتها أقل على السبر الذى مقدماته أثر بالطريق الأولى.
وثالثها: أن الاستدلال بالمناسبة على العلة استدلال بالوصف اللازم على الملزوم، لأن العلة لابد وأن تكون مناسبة، أو شبيهة، والاستدلال بالسبر ليس كذلك فكان الأول أولى.
واحتج الخصم: بأن المناسبة إنما تفيد ظن العلية وليس فيها دلالة على المعارض بخلاف السبر والتقسيم فإنه يفيد ظن علية الوصف ونفى معارضه، ولا شك أن ثبوت الحكم بالمناسبة في الفرع كما يتوقف على وجود معنى مقتضى له في الأصل يتوقف على نفى ما يعارضه فيه فكان السبر أولى لتكلفه ببيان الأمرين جميعا.
وجوابه: أنا نمنع أنه ليس في صورة التعليل بالمناسبة دلالة على نفى المعارض؛ وهذا لان المناسبة لما دلت على علية الوصف المناسب المعن وثبت أن التعليل بعلتين مستنبطتين غير جائز لزم منه عدم جواز التعليل بغير ذلك