من عنده التعارض وإلا لما كانا متعارضين فإذا وجد دليل آخر يساوى أحدهما في القوة موافق له فمجموعهما لابد وأن يكون زائدًا على ذلك الآخر في القوة، لأن مجموعهما أعظم من كل واحد منهما، وكل واحد منهما مساوي لذلك الآخر، والأعظم من المساوي أعظم.
فثبت بهذه الوجوه أن الظن الحاصل بقوله أكثر أقوى.
وإنما قلنا: إنه يتعين العمل بالأقوى، لأنا أجمعنا على وجوب العمل بالأقوى الذى حصل من الأدلة المختلفة المراتب كالكتاب، والسنة، والقياس، وعلى وجوب العمل بالأقوى الذى حصل من الدليل الذى ترجيحه بالقوة، وبحسب وصف يعود إليه، وإنما كان ذلك واجبا لزيادة القوة والظن في أحد الجانبين، وهذا المعنى حاصل في الترجيح بكثرة الأدلة فيتعين وجوب العمل به.
وما يقال: من الفرق بين الترجيح بكثرة الأدلة وبين الترجيح بالقوة والوصف الذى يعود إليه وهو أن الزيادة حصلت مع المزيد عليه في محل واحد بخلاف الترجيح بكثرة الأدلة فإنه ما حصلت الزيادة مع المزيد عليه في محل واحد فضعيف جدًا، لأنه غير مناسب ولا مؤثر فإنا نعلم بالضرورة أنه لا أثر لذلك والفرق يجب أن يكون كذلك.
وثانيها: أن مخالفة الدليل خلاف الأصل، فكان تكثيرها أكثر مخالفة للأصل فإذا وجد دليلان في أحد الجانبين، وفى الجانب الأخر دليل واحد كانت مخالفة الدليلين أكثر مخالفة للأصل من مخالفة الدليل الواحد فكان أكثر محذورًا منه، فلو لم يحصل الترجيح بكثرة الدليل لجاز ترك الدليلين وحينئذ يلزم وقوع ذلك القدر الزائد من المحذور من غير صبب ولا معارض وأنه ممتنع.