ولا يخفى على من له أدنى فطانة أن هذا يدل على علو شانه في العلم والورع.

أما الأول: فلأن ذلك يدل على أنه كان في طول عمره مشتغلاً بالطلب والبحث والنظر في أدلة الأحكام، وإلا لما عثر على الأكثر على أدلة أقوى من الأدلة الأولى.

ولا يحال ذلك إلى اختلاف الاجتهاد مع اتحاد الدليل حتى يقال: إن ذلك يدل على ضعف نظره أولاً؛ لأن صلاحية الدليل الواحد للدلالة على الحكمين المتنافيين في شيء واحد في غاية الندور ولا يجوز إحالة الأكثر إليه، ولو سلم ذلك فذلك أيضا يدل على علو شأنه في العلم إذ يدل على أنه كان [مشتغلاً بالعلم طول عمره، من حيث إنه كان باحثًا عن الأدلة، وعن وجوه دلالتها طول عمره حتى كان يظهر له وجه بعد وجه.

وأما الثاني: فلأنه يدل على أنه كان، متبعًا للحق دائرًا معه حيث دار؛ لأنه متى لاح له حقية شيء، بوجه معتبر أقوى من الوجه الأول اتبعه وأظهره، وأنه ما كان يتعصب لنصرة قوله، وترويج مذهبه، بل كان منتهى أمله وطلبه اتباع الحق وإرشاد الخلق إليه.

وثانيها: أن يكون قد ذكر القولين في موضع واحد، وفص على الترجيح، كقوله في بعض ما ذكر فيه قولن: أن هذا أصح، أو أولى، أو أشبه، أو أقيس، أو بهذا أقول.

أو نته عليه كما إذا فرع على أحد القولين دون الآخر فإن ذلك يدل على أن الذى فرع عليه أقوى عنده، أو كما إذا ذكر أحد القولين أولاً أو ما يشبه ذلك، ثم أن الناقل نقل القولين فقط فلم يذكر ما ذكره من الترجيح، إما لعدم اطلاعه عليه لكونه مذكورًا في آخر كلامه وهو لم ينته إليه، أو وإن كان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015