ولقائل أن يقول: لا نزاع في وقوع مثل هذا التخيير في الشرع، وإنما النزاع في أنه هل يجوز أن تتعادل الأمارتان في فعلين متنافيين والحكم واحد بحسب النوع، وبحسب متعلقه، كما إذا دلت أمارة على أن هذه الجهة جهة القبلة أو تدل أمارة أخرى أن الجهة الأخرى هي جهة القبلة، وتتعادل الأمارتان، وما ذكرتم الصور ليس مما فيه النزاع في شيء، أما الأول: فلأن الحكم إن كان واحدًا فيها بحسب النوع لكن ليس واحدًا بحسب متعلقه، فإن وجوب الحقة غير وجوب بنت اللبون.
وأما الثاني والثالث فهما من أقسام الواجب المخير لا مما نحن فيه، فإن التخيير فيما نحن فيه هو أن ينشا من تعادل الأمارتين اللتين تدل كل واحدة منهما على واحد بعينه، ومعلوم أن ما ذكرتم من الصورتين ليس كذلك، فإنه ليس أمارة على وجوب استقبال جانب من الكعبة بعينه، وأمارة أخرى تدل على استقبال الجانب الآخر، وكذلك ليس أمارة تدل على وجوب إرضاع صبى بعينه، وأمارة أخرى تدل على وجوب إرضاع الصبى الآخر فليسا هما من صور النزاع.
المسألة الثانية
القائلون بجواز هذا التعادل [قالوا: إن وقع هذا التعادل]، للإنسان في عمل نفسه كان حكمه فيه التخيير، أو التساقط والرجوع إلى غيرهما.
ومنهم من نقل فيه الوقف أيضًا كما في التعادل الذهني وهو بعيد جدًا، إذ الوقف فيه لا إلى غاية؛ إذ لا يرجى فيه ظهور الرجحان وإلا لم تكن مسألتنا