وأما ثالثًا: فلأن ترك الواجب سبب للعقاب فلو كان معللًا به بمعنى أنه مؤثر فيه لزم أن يكون العدم علة الوجود وهو ممتنع، ولا يجعل فعل الضد المؤثر وهو وجودي؛ لأنا نمنع ملازمته للترك؛ إذ يجوز خلو القادر عن فعل الشيء، وضده كما هو رأى أبى هاشم وأبى الحسين.
سلمناه لكن المستلزم للعقاب بالذات إنما هو عدم فعل الواجب لا فعل الضد؛ بدليل أنه لو فرض عدم فعل الواجب بدونه استلزم العقاب، ولو فرض فعل الضد بدون ترك الواجب لما استلزم ذلك والعلة هو المستلزم بالذات لا بالعرض فيكون الترك علة وهو ممتنع، وكذا التقدير فيما إذا كان القيد العدمي جزء علة الوجود كما في قولنا: "القتل العمد العدوان سبب للقصاص" فإن العدوانية قيد عدمي؛ إذ معناها أنه غير مستحق عليه، ولا يجعل شرطًا حتى لا يرد ذلك؛ لأنه كما لا يجوز جعل العدم جزء علة الوجود لا يجوز جعله شرط علته؛ لما أنه يلزم منه أن يكون العدم علة الوجود؛ إذ العلية أمر وجودي وهي حاصلة عند حصوله، ومنتفية عند انتفائه، ولا سبب له سواه فيضاف إليه فيكون علة، وفى هذا نظر لا يخفى.
وأما رابعًا: فلأن العلل الشرعية لو كانت مؤثرات لذواتها لما جاز أن يجتمع على المعلول الواحد علل مستقلة، كما في العقلية على ما عرف ذلك في محله، لكنه جائز على ما ستعرف ذلك فوجب أن لا تكون مؤثرة لذواتها.
ولا يجوز أن تكون العلة الشرعية بمعنى: الباعث.