تعين أن يكون الأصل هو البر.
واعلم أن الأقرب إنما هو قول من قال: إن الأصل هو الحكم؛ لأن النص الدال عليه لا يجوز أن يكون هو الأصل لما تقدم، ولأن النص طريق إلى إثبات الحكم فلو كان النص أصلا ًكذلك لكان قول الراوي أولى أن يكون أصلًا للقياس؛ لأنه طريق إلى ثبوت النص الذي هو طريق إلى الحكم فكان أولى بذلك منه، لكنه باطل بالاتفاق، فكذلك كون النص أصلًا.
ولا يجوز أن يكون الأصل هو البر؛ لأنه لو لم يوجد البر أو وجد لكنه لم يوجد فيه الحكم لم يكن تفريع الحكم عليه، ولو وجد ذلك في غيره لأمكن تفريع القياس عليه، فإذن الحكم المطلوب إثباته في الذرة غير متفرع على البر أصلًا بل على حكمه فلا يكون البر هو أصل القياس بل/ (121/ أ) حكمه.
وبهذا ظهر ضعف الوجه الأول أن ما ذكروه أن معرفة حكم غيره تتوقف على معرفته باطل إن أرادوا به التوقف بالأصالة من غير وساطة شيء آخر، وإن أرادوا به التوقف بطريق التبعية فهو صحيح؛ فإن معرفة حكم غيره تتوقف على معرفة الحكم الحاصل فيه، ومعرفة الحكم الحاصل فيه تتوقف على معرفته، لكن ذلك لا يقتضي أن يكون هو أصل القياس بالذات بل بالعرض، وليس كلامنا فيه بل فيما هو أصل القياس بالذات من غير وساطة شيء آخر، ولو كان البر أصلًا بهذا الاعتبار لكان النص الدال على الحكم أصلًا أيضًا بهذا الاعتبار؛ فإن معرفة ذلك الحكم الذي هو أصل القياس تتوقف على معرفة النص الدال عليه بل تسمية النص أصلًا بهذا الاعتبار أولى من تسمية البر أصلًا؛ لأن توقف الحكم على النص كتوقف المعلول على العلة وتوقفه على البر توقف المشروط على الشرط، ومعلوم أن النوع الأول من التعلق والتوقف