يكون احتياطه أكثر فيما يكون احتياط الشارع فيه أكثر، فلولا جزمه بعدالته، أو غلبة ظنه بعدالته لما أرسل الشهادة إرسالا كما ذكرتم في الرواية، فلما أرسل دل على أنه جازم، أو ظان ظنا قويا بعدالته فكان يجب القبول كما لو صرح بتعديله ولما لم يقبل علمنا أنه لا دلالة له عليه.

وبهذا يعرف اندفاع ما يقال من الفرق وهو: أن الشهادة تتضمن إثبات الحق على معين، والخبر يتضمن إثبات الحق في الجملة من غير تخصيص لمعين، ويدخل من التهمة في إثبات الحقوق على الأعيان ما لا يدخل في إثباتها في الجملة فجاز أن تؤكد الشهادة بما لا تؤكد به الرواية، كما أكد باعتبار العدد، وعدم العداوة وغيرهما؛ لأن هذا بعينه يدل على أن الإرسال فيه أدل على التعديل كما تقدم على أن هذا معارض بوجه آخر وهو أن الخبر وإن لم يتضمن إثبات الحق على معين، لكن يقتضي إثبات شرع عام في حق جميع المكلفين إلى يوم القيامة فالاحتياط فيه أجدر من الاحتياط في إثبات الحق على واحد في زمان معين.

فإن قلت: إنما يجب ذكر الأصل لأل تغريمهم عند رجوعهم عن الشهادة؛ فإنا لو لم نعرفهم بأعيانهم لم يكن تغريمهم عند رجوعهم.

قلت: هذا باطل.

أما أولا: فلأن الأصل والغالب عدم الرجوع، فوجب أن لا يجب باعتباره شيء؛ لأن ما يمكن أن يطرأ في شيء مع أن الأصل والغالب عدمه لا يوجب اعتبار أمر فيه بالاستقراء.

وأما ثانيا: فلأن تغريمهم غير ممكن في كل صورة من صور رجوعهم حتى يجب لأجله تعيينهم؛ فإن تغريمهم غير ممكن فيما إذا كان المشهود به حقا من الحقوق التي لا تقابل بالمال، أو وإن كان مالا لكن حيث مات شاهد الأصل ولم يخلف لا درهماً ولا ديناراً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015