سلمنا أن المراد منه عموم ما أنزل إليه سواء كان متلوا أو لم يكن، لكن لا نسلم أنه يلزم من وجوب الإظهار وجوب القبول، ولا نسلم أنه لا فائدة سوى القبول بل إنما أوجب ذلك لكي يشتهر ويتواتر نقله فتقوم به الحجة فإنه لو لم يوجب إظهاره ربما يتوانى في فعله، فيؤدي إلى أن لا ينقل نقلا متواترا فتبطل حجيته، ثم الذي يدل على أنه لا يجب من وجوب الإظهار وجوب القبول، أنه يجب على الفاسق وجوب إظهار ما سمعه من الرسول ومن غيره، مع أنه لا يجب على السامع قبوله.

قلنا: الجواب عن الأول: أنه خلاف الأصل؛ لأنه تقييد بما لا إشعار للفظ به؛ فإن اللفظ ظاهر في التوعد للجمع، ولا إشعار له بعدد التواتر فيكون تقييده بعدد التواتر خلاف الأصل، وبه خرج الجواب عن الثاني، فإنه تخصيص وتقييد.

وأما قوله: لأنه وجد ما يوجب المصير إليه وهو التبادر فممنوع؛ وهذا لأنا وإن سلمنا أن الكتاب العزيز هو المتبادر من مطلق الإنزال والمنزل، لكن لا نسلم تبادره من قوله: {ما أنزلنا من البينات والهدى} ثم الذي يؤكد على أنه غير مختص بالكتاب العزيز، أن العلماء في كل الأعصار يستدلون بهذه الآية على حرمة كتمان العلم، ولو كان ذلك مختصا بالكتاب لما صح ذلك، ولأن حمل كلام الشارع على ما هو أعم أولى؛ لأنه أكثر فائدة.

وعن الثالث: أنه إن لم يكن فيه فائدة سوى وجوب القبول فقد حصل الغرض، وإن كان فيه فائدة أخرى فلا شك أن ما ذكرناه فائدة أيضا بل هو المقصود بالذات والاشتهار والتواتر بالغرض، وحينئذ نقول: إنه يجب حمله على الفوائد بأسرها دفعا للإجمال، وتكثيراً للفوائد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015