وثانيها: أن قبل ورود هذه الآية، إن كان الأمر بالفتوى واردا لم يجز حمل هذه الآية عليه؛ لأنه تكرار من غير فائدة. ولو جاز لفائدة التأكيد على بعد فإن تأكيد الخاص بالعام بعيد، لكن الحمل على غيره أولى؛ ضرورة أن الفائدة على هذا التقدير فائدة تأسيسية، وعلى التقدير الأول تأكيدية وإن لم يكن واردا وجب حمل الأمر على الصورتين، دفعا للإجمال وتكثيرا للفائدة.

وثالثها: أنه رتب وجوب الحذر أو حسنه أو تجويزه على مسمى الإنذار الذي هو قدر مشترك بين الفتوى والإخبار فوجب أن يكون علة له لما ستعرف، وإذا كان علة له وجب أن يثبت الحكم أينما ثبتت العلة، وبهذا خرج الجواب عن الخامس والسادس.

وعن السابع: أن العامي لا يجوز له الإقدام على الفعل إلا بعد أن يعلم جواز ذلك الفعل؛ إما بتطابق المسلمين على فعله، وإما بالاستغناء من جهة المفتي، وحينئذ لم يجب عليه الرجوع إلى المفتي ثانيا، وأما المجتهد فإنه لا يجب عليه التوقف عما يظنه جائزا بدليل حتى بالبراءة الأصلية عند سماع ما ليس بدليل بالإجماع، فلو وجب التوقف عند سماع خبر الواحد فإنما يكون لكونه دليلا وهو المطلوب.

وثانيها: قوله تعالى: {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا}.

ووجه الاستدلال به من وجوه:

أحدها: أن كون خبر الواحد خبر واحد وصف لازم له لا يمكن انفكاكه عنه، فلو اقتضى ذلك أن لا يكون مقبولا لم يجز تعليل عدم قبوله بكون راويه فاسقا؛ لأن كون راويه فاسقا وصف غير لازم له بل عرضي مفارق،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015