أنا لا نجد ذلك من أنفسنا، ولو سمعنا ذلك الخبر من المنتهى إلى الغاية في العدالة، فإن كذبتمونا في ذلك حلفنا لكم بأيمان لا مخارج عنها، فإن كذبتمونا في ذلك أيضا فعلتم ما لا يليق مع أنكم لم تسلموا عن معارضة مثله في ادعاء وجدان العلم على أن تواطؤ مثل هؤلاء على الكذب يمتنع عادة.
وثانيها: أنه لو أفاد العلم، فأما أن يجوزوا معه أن يخبر ثقتان بخبرين متنافيين، أولا يجوزوا ذلك، فإن كان الأول فعند حصولهما إن حصل العلم بخبريهما لزم اجتماع المتنافيين، وإن حصل بأحدهما دون الآخر لزم الترجيح من غير مرجح وأنه ممتنع، ولو جوز ذلك لزم أن لا يكون كل خبر ثقة مفيدا للعمل، وإن لم يحصل بقول كل أحد منهما فهو المطلوب.
وإن كان الثاني فهو أيضا باطل؛ لأن الاستقراء يفيد القطع بالوقوع وهو دليل الجواز وزيادة، وإذا بطل القسمان بطل أن يقال: أنه يفيده.
وثالثها: أنه لو أفاد العلم لما احتاج الحاكم إلى تزكية الشهود لما تقدم لكنه يحتاج فلا يفيده.
ورابعها: لو أفاد خبر الواحد العلم لم يكن لاشتراط الشاهدين في البينة معنى، ضرورة أنه حصل العلم بقول الواحد، وليس فوق العلم مرتبة حتى يطلب تحصيله بضم شاهد آخر إليه، ولكان يقع الفناء عن المعجزة؛ إذا حصل العلم بنبوة يخبر عن نبوة نفسه لا سيما ممن لم يعهد منه قط كذب ولا فسق يخل الثقة به، والثاني باطل بالإجماع فالمقدم مثله.
وخامسها: أن كل عاقل يجد من نفسه زيادة الظنون عند تعاقب الأخبار إليه إلى أن ينتهي إلى حد التواتر، ولو كان العلم حاصلا بقول الأول والثاني لما كان كذلك، إذ العلم لم يقبل التفاوت بحسب الزيادة والنقصان، وإن كان يقبل التفاوت بحسب الجلاء والخفاء؛ إذ لا فرق عندنا بين وجود بغداد وبين الصين مع أن الواصلين إلينا من بغداد والمخبرين عنها أكثر من الواصلين منه والمخبرين عنه.