الطريق إلى تصحيح التواتر للفرق ليس إلا أن أهل التواتر في كل زمان يخبرون عن الذين ينقلون منهم الخبر أنهم متصفون بصفات أهل التواتر، وأن كل ما ظهر بعد خفاء، وقوي بعد ضعف فلا بد وأن يشتهر فيما بين الناس حدوثه ووقت حدوثه كسائر المذاهب المحدثة فلو كان ذلك الخبر كذبا موضوعا لاشتهر وضعه، ووقت وضعه ولما لم يظهر شيء من ذلك علمنا صحته، والقوم يدعون صحة تواترهم في تلك الأمور بهذين الطريقتين وتطرق الطعن والكذب إلى أحدهما يوجب تطرقه إلى الآخر.
وما يقال: من أن اليهود قد قلوا في زمان بختنصر إلى أن لم يبق منهم عدد التواتر فضعيف؛ لأن فناء الأمم المتفرقة في شرق البلاد وغربها إلى هذا الحد بعيد جدا، ولأن شرع موسى - عليه السلام - كان منقولا بالتواتر إلى زمان عيسى - عليه السلام - ولهذا كان الناس مكلفين به، فلو لم يبق عددهم إلى عدد التواتر لما كان الأمر كذلك، وكذلك ما يقال في النصارى: أنهم كانوا قليلين في ابتداء الأمر لأن الناس أجمعوا على أن الناس كانوا مكلفين بشرع عيسى - عليه السلام - إلى زمان محمد - عليه السلام - فلو لم يكن شرعه منقولا ابتداء لما قام به الحجة فيما لا يقبل فيه غير المفيد لليقين كأصول الديانات، ولما كان الناس مخاطبين بأصوله وفروعه إلى زمان نبينا - عليه السلام - علمنا فساد ما ذكروه.
وسابعها: لو حصل العلم عقيب التواتر المستجمع لشرائطه، فإما أن يكون الحصول بصفة الإمكان أو بصفة الوجوب، القسمان باطلان فبطل القول بالحصول وإنما قلنا: أنه لا يجوز أن يحصل بصفة الإمكان لوجهين: