وثالثها: أن جزمنا بالمتواترات ليس أقوى من جزمنا بأن ما نشاهده اليوم من الأولاد والعبيد والزوجات هم الذين شاهدناهم بالأمس، ثم إنه ليس بيقيني، لاحتمال أن يوجد أشخاص مساوية لأولئك في الشكل والصورة من كل الوجوه: إما للقادر المختار على ما هو مذهب المليين، أو للأشكال الفلكية الغريبة على ما هو رأي من ينكر القادر المختار، فثبت أن هذا الجزم ليس بيقيني، وإذا لم يكن هذا الجزم يقينيا فما هو مثله أو أضعف منه يجب أن لا يكون يقينيا أيضا أو ضروري. أولى أن لا يكون يقينيا.
ورابعها: أن خبر كل واحد منهم لا يفيد العلم بل يحتمل أن يكون كاذبا فكذا خبر الكل، لأن كل واحد من الزنج لما كان أسوك كان الكل أيضا كذلك.
وخامسها: لو جاز أن يخبر جماعة بما يفيد العلم، فلو أخبر جماعة أخرى مثلهم بنقيضه، فإن لم يفد العلم قولهم مع أنهم مثل الأولين لزم الترجيح من غير مرجح، وإن أفاد قولهم العلم كقول الأولين لزم اجتماع النقيضين.
وسادسها: أنا نرى جمعا كثيرا متفرقين في شرق البلاد وغربها كاليهود، والنصارى، والمجوس، ينقلون أمروا على وجه التواتر يقطع ببطلانها، فلو كان خبر التواتر مفيدا للعلم لاستحال القطع ببطلانها بل وجب القطع بصحتها.
لا يقال: إن ذلك لفقد شرط التواتر فيها نحو استواء الطرفين والواسطة؛ فإن اليهود لم يوجد فيهم استواء الواسطة، والنصارى لم يوجد فيهم استواء الطرفين؛ فإنهم كانوا قليلين في الابتداء وكذا المجوس؛ لأنا نقول: القوم يدعون صحة التواتر فيها، كادعاء غيرهم في أخبارهم المتواترة؛ لأن