المسألة الثالثة
ذهب الجماهير إلى أنه لا يجوز أن ينعقد إجماع بعد إجماع أثبت على خلافه، لأنه يستلزم تعارض دليلين قاطعين وأنه ممتنع.
وذهب أبو عبد الله البصري إلى أن ذلك غير ممتنع؛ لأنه لا امتناع في أن يجعل الإجماع على قول حجة قاطعة ما لم يطرأ عليه إجماع آخر، كما في الإجماع على تجويز الأخذ بكلا القولين وتجويز الاجتهاد، لكن لما أجمعوا على أن كل ما أجمعوا عليه على وجه البت، فإنه حق واجب العمل به في جميع الأعصار أمنًا من وقوع هذا الحائز.
فعدم الجواز عنده مستفاد من الإجماع الثاني لا من الإجماع الأول.
وعند الجماهير هو مستفاد من الإجماع الأول من غير حاجة إلى الإجماع الثاني.
فالحاصل: أن نفس كون الإجماع حجة يقتضي امتناع حصول إجماع آخر مخالف له بعده عند الجماهير.
وعند أبي عبد الله البصري لا يقتضي ذلك، لإمكان تصور كونه حجة إلى غاية إمكان حصول إجماع آخر.
وعند هذا ظهر أن مأخذ أبي عبد الله البصري قوي.