فإنها لا تطلق بفعل أحدهما إجماعًا، ولو كان ما ذكرتم مقتضى الكلام لما انعقد الإجماع على خلافه، إذ ليس له دليل آخر بالأصل، ولما سبق من استلزام ذلك التعارض.
ورابعها: أجمعنا على أن مشاقة الرسول وحدها يترتب عليها الوعيد المذكور وذلك يدل على ترتب الوعيد المذكور على اتباع غير سبيل المؤمنين وحده أيضًا؛ إذ ليس للنص إشعار بترتب الوعيد على خصوصية المشاقة، بل لو دل فإنما يدل على ترتبه على المجموع وعلى كل واحد منهما، فأما أن يدل على أحدهما دون الآخر فلا ولما دل على أحدهما دل على الآخر أيضًا.
وهو أيضًا من جنس ما سبق؛ لأنا لا نسلم أن ذلك مستفاد من هذه الآية بل من دليل آخر.
فإن قلت: الأصل عدم الدليل فيجب أن يكون مستفادًا من هذا الدليل لئلا يلزم القول بغير دليل؛ لأنا نقول: إن ذلك الدليل معلوم بالضرورة من دين محمد - عليه السلام - فلا يمكن الاستدلال بالأصل على نفيه.
وخامسها: وهو أنه لا خلاف في التوعد على اتباع غير سبيل المؤمنين، فأما أن يكون ذلك لمفسدة متعلقة به أو لا لمفسدة، لا جائز أن يقال بالثاني، فإن ما لا مفسدة فيه لا تواعد عليه وفاقًا، وإن كان الأول فالمفسدة في اتباع غير سبيل المؤمنين أما أن يكون من جهة مشاقة الرسول، أو لا من جهتها
فإن كان الأول فذكر المشاقة كاف في التواعد لما قيل ولا حاجة إلى قوله "ويتبع غير سبيل المؤمنين".
وإن كان الثاني لزم التواعد لتحقق المفسدة سواء وجدت المشاقة أو لم توجد.