أما الأولون، فقالوا: إن كل ما لا يكون معلومًا بالضرورة فإنه يستحيل اتفاق الخلق العظيم والجم الغفير عليه، كما يستحيل اتفاقهم في الساعة الواحدة، على المأكول الواحد، واللبس الواحد، وكيف لا وتراهم يختلفون في الضروريات والبديهيات: فمنهم من اعترف بها، ومنهم من أنكرها أصلاً ورأسًا، مع أن طريقها واحدة لا فكر فيها ولا روية، فالنظريات القطعيات بذلك أجدر لافتقارها إليهما وافتقارها إلى النظر والناس مختلفون فيه فإن منهم من [أنكر] كون النظر يفيد العلم بل لا يفيد إلا الظن الغالب والظنيات بذلك أولى من القطعيات؛ لأن طرائقها كثيرة، وطباع الخلق الكثير وأذهانهم مختلفة عادة، فمن الممتنع تطابقها على طريقة واحدة.

وجوابه: منع استحالة اتفاق الخلق الكثير، والجم الغفير على الشيء الواحد الذي لا يكون معلومًا بالضرورة إذا كان له دليل قاطع، أو شبهة أو أمارة مغلبة للظن؛ وهذا لأنه وجد ذلك؛ فإنا نعلم اتفاق الخلق الكثير والجم الغفير في شرق البلاد وغربها على نبوة محمد - عليه السلام - بسبب معجزته القاطعة، واتفاق أهل الشبه على مقتضاها كأهل البدع والكفر.

وكذلك نعلم اتفاق الخلق العظيم على فساد بيع المضامين والملاقيح مع أن الموجب له ليس إلا ما يوجب الظن من خبر واحد، أو قياس.

وإنما عدلنا عن العبارة المشهورة في ذلك، وهي: أنا نعلم اتفاق المسلمين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015