وأما الثاني: فلأنه يجوز أن يكون فعل المأمور مصلحة في وقت، ومفسدة في وقت، فيحس الأمر به في وقت يكون مصلحة فيه، ويحسن النهي عنه في وقت يكون مفسدة فيه، ولا ننكر جواز ذلك، فإن أكثر
الأفعال العادية كذلك.
ألا ترى أن الأكل والشرب حالة الجوع والعطش مصلحة، وحالة الشبع والري مفسدة فلا يلزم من نسخ ما كان مطلوبًا فعله أن يكون ذلك لظهور مفسدة فيه، لما سبق من الاحتمال.
وهذا على رأي من لم يجوز نسخ الشيء قبل حضور وقت العمل به، وأما من يجوز ذلك فيعلل بأن الأمر بالشيء في وقت قد يكون مصلحة، والنهي عنه (قبيح) فيه وفي وقت آخر يصير الأمر به (فيه) قبيحًا ويصير النهي عنه فيه حسنًا، كما سيأتي تمام تقريره في مسألة جواز نسخ الشيء قبل حضور وقت العمل به، وحينئذ ينبغي أن يحسن الأمر والنهي كلاهما بحسب وقتين مختلفين، فلا يكون النهي عما أر به أولا قبل حضور وقت عمله مستلزما للبداء، إذ لا يكون دالا على ظهور مفسدة