المسألة الخامسة
في سكوت النبي صلى الله عليه وسلم عن إنكار فعل فعل بين يديه، أو في عصره مع علمه به، هل ينزل منزلة فعله في كونه مباحًا أم لا؟
والحق: أنه ينزل منزلة فعله في كونه مباحًا، لأنه إن لم [يتقدم منه] ما يدل على تحريم ذلك الفعل، فسكوته عنه مع القدرة على الإنكار دليل ظاهر على جوازه، لأنه إن لم يكن جائزًا كان سكوته عنه مع القدرة على الإنكار عليه حرامًا، وهو ممتنع عليه، وبتقدير أن يكون جائزًا لكنه خلاف الظاهر كما سبق ولأن فيه تأخير البيان عن وقت الحاجة، وهو غير جائز وفاقًا.
وإن تقدم منه ما يدل على تحريمه، فإما أن يكون عالمًا ببلوغ ذلك التحريم إلى ذلك الفاعل، أو يعلم أنه ما بلغه، أو لا يعلم واحدًا منهما.
فإن كان عالمًا ببلوغه إليه، فإما أن يكون عالمًا بانقياده له في أصول الدين وكونه غير راد عليه أوامره ونواهيه، وإن كان يصدر منه مخالفة أمره أو نهيه، لكن لا على وجه الرد، أو يعلم كفره له وعناده إياه، أو لا يعلم واحدًا منهما، فهذه أقسام:
أولها: أن يكون عالمًا ببلوغ ما يدل على تحريمه إليه، وهو يعلم أيضًا انقياده له. فهاهنا سكوته أيضًا دال على جواز الفعل ونقدر/ (344/أ) نسخ ذلك الحكم في حقه، إذ لو لم يكن جائزًا لما جاز له السكوت عنه،