واحداً، وإنما محل التردد فيه إذا لم يُحِط القاضي ببواطن أمور الشهود.

11904 - ومما نرى ذكره على الاتصال بهذا أن الشهود لو كانوا عدولاً أو زكّاهم المزكّون -كما سنصف إن شاء الله- فارتاب القاضي لنظرٍ له في الواقعة، وخيالٍ قد يُدركه الفطن. قال الشافعي: في هذه الحالة إذا ارتاب القاضي بحال الشهود، فرّقهم، ويسأل كلَّ واحد منهم على حدته: يسأله عن المكان الذي تحمَّلَ فيه الشهادة؛ والوقتِ الذي تحمَّل فيه الشهادة، وعمن كان معه. وهو في هذا كله يبغي الاستدلال على عورةٍ -إن كانت- وليس ما ذكرناه استظهاراً محبوباً، بل هو حتم.

ثم ليس على الشهود أن يذكروا المكان والزمان، وإنما ينفع ما ذكرناه مع الأغبياء وذوي الغِرّة، فأما الفقهاء إذا روجعوا لم يزيدوا على إعادة الشهادة، ولو قالوا: لا نذكر الزمان والمكان، ولكنا نتحقق ما شهدنا به، فليس للقاضي -والحالة هذه- أن يجبرهم على التعرض لما ذكرناه، ولكن لو بقيت ريبة القاضي وازداد ارتياباً من إصرار الشهود على ترك ما يراجَعون فيه؛ فللقاضي أن يبحث عن جهات أخرى، فعساه يطَّلع على مطعن، فإن لم يكن، تحتم عليه إمضاء القضاء، مع انطوائه على الريبة لقيام البيّنة العادلة.

فإن قيل: لو ابتدر القضاء والإمضاء؟

قلنا: لم ينفذ قضاؤه؛ فإن حقه ألا يقضي إلا بعد بذل المجهود في التبيّن وطلب غلبة الظن.

فإذا وضح ذلك، فالبحث عند الارتياب من حق الله أيضاً، لا يتعلق بطلب الخصم، لما ذكرناه في أصل الاستزكاء.

نعم، قد يكون قول الخصم سبباً في وقوع الريبة، فإذا وقعت، شمّر لإزالتها، طلبَ الخَصْم إزالتها، أو لم يطلب. فهذه مقدمة في أصل التزكية.

11905 - ثم إنا نذكر بعدها مراسمَ الحكم في الاستزكاء بكَتْب الرقاع إلى المزكين، فليأخذها الناظر على وجهها، والفقه وراءها، فمِنْ رَسْم القضاة أن يكتبوا إلى المزكي حِلْيَة الشهود، ويرفعوا في أنسابهم، ويذكروا أسماء آبائهم وأجدادهم،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015