الواجب بالنذر منزلة الواجب بالشرع، فإنه بالواجبات أشبه. ومن سلك المسلك الثاني، اعتمد لفظ الناذر، واكتفى بأقل ما يصح في قبيل المنذور؛ فإن الزائد عليه لم يتحقق تناول اللفظ له؛ فإلزام الناذر ما لم يتناوله لفظه لا يتجه، فإذا نذر صلاة وأطلق، فيُلزمه القائلُ الأول ركعتين مع القيام، ويُلزمه القائلُ الثاني ركعة واحدة، ويصححها منه قاعداً مع القدرة على القيام؛ فإن الصلاة تصح على هذا الوجه.
وإذا نذر صوماً، كفاه صوم يوم، وهل يلزمه [تبييت] (?) النية؟ إن نزلناه على أقل مفروض في الباب، فالتبييت واجب، وإن اكتفينا بما يصح، فلو أنشأ النية نهاراً، فعلى هذا القول وجهان مبنيّان على أن المتطوع بالصوم إذا نوى نهاراً، فهو صائم من وقت نيته، أم هو صائم من أول النهار؟ وفيه اختلاف قدمناه في كتاب الصيام.
فإذا تجدد العهد بهذا، نظرنا في لفظ الناذر، فإن قال: لله عليّ صومٌ -والتفريع على تنزيل المنذور على أقل ما يصح- فإذا نوى نهاراً، صح -وإن جعلنا المتطوع صائماً من وقت النية- لأن الذي أتى به صوم.
وإن قال: لله عليّ صوم يوم -وحكمنا بأن المتطوع صائم من أول النهار- فيصح منه أن ينوي نهاراً (?)، وإن قلنا: المتطوع صائم من وقت النية، فلا يخرج الناذر عن موجب نذره، ما لم يبيّت النية، فإنه التزم صوم يوم، ولا يتحقق على هذا الوجه صوم يوم إلا بنية منبسطة على اليوم، والنية لا تنعطف، فالوجه تقديمها على قياس الصوم المفروض شرعاً.
ولو نذر صدقة، لم يخصصها بخمسة دراهم، ولا بنصف دينار، مصيراً إلى أن ذلك أقل الصدقات المفروضة، فإن الخلطاء قد يشتركون في نصاب واحد، فيجب على أحدهم أقل من الخمسة، فلا ضبط لمقدار الصدقة، وهي مُنَزَّلَة على أقل ما يتصدق به. ولم يختلف أصحابنا في أنه لا يتعين على ناذر الصدقة أن يتصدق بشيء