ولو قال: والله لا ألبس ثوباً، وكان لابسه لما حلف، فإن نزعه على الفور، لم يحنث وإن استدامه، حَنِث، والاستدامة في الثوب على قياس السكنى في الدار.
ولو كان راكبَ دابّة، فقال: والله لا أركبها، فاستدام ركوبها، حَنِث وفاقاً، وعبر الأصحاب عن غرض الفصل في الفرق والجمع فقالوا: ما يعبّر عن استدامته بما يعبر به عن ابتدائه، فالاستدامة فيه كالابتداء في اليمين، وما لا يعبر عن استدامته بما يعبر به عن ابتدائه فليست الاستدامة فيه كالابتداء في البِرّ والحِنْث، وخرجوا على ذلك مسألة اللبس، والركوب، والدخول، فقالوا: يقال للابس الثوب: البسه إلى غروب الشمس، ويقال لراكب الدابة: اركبها إلى المنزل، أي استدم ركوبها، ولا يقال للكائن في الدار: ادخلها أي استدم الكون فيها، وأقرب من هذا أنه لا يقال للكائن في الدار: استدم دخولها، ويقال للراكب واللابس: استدم الركوب واللبس.
ومن أصحابنا من قال: إذا قال الكائن في الدار: والله لا أدخلها، فأقام فيها، حَنِث، قياساً على اللبس والركوب، وهذا ضعيف جداً، ولا خلاف أن المتطهر لو قال: والله لا أتطهر، فلا يحنث باستدامة الطهارة واجتنابه الحدث.
وسرّ هذا الفصل أن مقصود اللُّبس والركوب في الدوام كمقصودهما في الابتداء واللفظ صالح، فحمل اللفظ المطلق على المقصود العام؛ فإن الألفاظ إذا استقامت عُني بها في الإطلاق مقاصدُها العامة، وإذا قال الرجل: لا أدخل الدار، فليس يبعد أن يقال: مقصوده اجتناب الدار، وعن هذا تخيل صاحب الوجه البعيد أنه لو أقام، حَنِث، ولكن لفظ الدخول لا ينطبق على هذا المقصود، ومجرّد المقصود لا يكفي حتى ينطبق لفظ اليمين عليه، سيّما إذا كان اللفظ مطلقاً. نعم، إذا فرعنا على الأصح، [وهو أنه لا يحنث بالمقام إذا قال: لا أدخل واللفظ مطلق] (?) فلو نوى اجتناب الدار، فالأصح أنه يحنث بالمقام.
ومن أصحابنا من قال: لا يحنث وإن نوى؛ لأن اللفظ إذا لم يطابق المقصود، تجردت النية، والنية المجردة لا تُلزم أمراً.