ثم قام يجمع أمتعته وشمَّر في نقلها، والانتقالِ معها، فالذي ذكر المراوزة أنه لا يحنث، والذي ذكره العراقيون القطعُ بتحنيثه، وقالوا: إن أراد البرّ، فليبتدر خارجاً، ولْيكل نقلَ الأمتعة إلى مستناب يثق به، وهذا نقلناه على ثبت وثقةٍ، واستقراءِ نُسَخٍ.
ووجه ما ذكره العراقيون بيّن، ووجه ما قطع به المراوزة أن السكون (?) ليس الكون نفسه، وإنما هو ركون إلى الكون، أو تمهل وانحلال من غير تشمير للاشتغال بالانتقال، فإذا ابتدر النقلَ والانتقالَ سُمّي كائناً في الدار، ولم يُسمَّ ساكناً فيها، والدليل عليه أنه لو ابتدَرَ الخروج والمفارقة من صدر الدار الفيحاء، فقد يحتاج معها إلى خطوات، وهو معها كائن في الدار، ولا احتفال بها؛ فإنه لا يُسمى في تخطّيه ساكناً، ولا يكلف أيضاً خروجاً عن العادة في العدو والهرولة، ولا يقال: من حلف كذلك، فقد ربط برّه بمستحيل.
ولو قال: والله لأخرجن في لمحة عين، وأراد تحقيق الوفاء بهذا، ثم لم يتمكن منه؛ فإنه يحنث، كما لو قال: لأصعدنّ السماء، فإذا لم يؤاخذ بهذه الدقائق، تبين أن اليمين منزلةٌ على ترك الرّكون إلى السكون، واستشهد الأئمة بما هو مبني على الفور، كالرد بالعيب، ثم من اطلع على عيب، فاشتغل برفع صاحبه إلى مجلس القاضي، فلا يعد مقصراً مؤخِّراً، كما بيناه في موضعه.
وسرّ كلام المراوزة يُتلقى من الأصل الذي جعلناه قاعدة الباب؛ فإن الحالف لو زعم أنه نوى أمراً، فإن قوله منزل على ما نواه وما يتصور فيه التورية فيه متسع على النهاية، فإذا قال: لم أنو، فلا محمل له إلا أنه قصد أمراً، ثم ذَهِل عنه، والغالب أنه [لم يقصد] (?) إلا ما يقصد مثله في العرف، وتجويز ما لا يجري في التعارف لا حكم له؛ إذ لا نهاية للممكنات، فالوجه التنزيل على ما ذكرناه، وسيتضح هذا، إن شاء الله تعالى بالمعاودات وتكرير التقرير في المسائل، إن شاء الله.