ومما بناه على ذلك قوله: لا ينعقد اليمين الغموس، لأن شأن اليمين أن تؤثر، وما انقضى لا يقبل التأثير، فلا تنعقد اليمين عليه، وقال بناء على ذلك: إذا قال: حرّمت هذا الطعام، التزم الكفارة، كما لو قال: والله لا آكل هذا الطعام؛ فإن مقتضى اللفظين التحريم، وحَكَم بأن من قال: إن دخلت الدار، فأنا يهودي فهو كما لو حزم دخول الدار على نفسه، وزعم أن يمين الكافر لا تنعقد، لأنه لا يخاطب بالتحريم الشرعي.
وعندنا اليمين لا يحرِّم ما ليس محرّماً، ولا يحلل محرماً، ثم إذا حلف لا يفعل طاعةً، فعلها، ولا يخفى موجَب الحنث، والندب لا يزول بسبب يمينه.
11728 - ولو عقد يمينه على مباح، فكيف السبيل فيه؟ حاصل ما ذكره الأصحاب ثلاثة أوجه: أحدها - أن الأَوْلى ألا يُقدّم على ذلك المباح؛ فإن اليمين على حالٍ محترمة، فتحقيقها، وتصديقها والمحلوف عليه مباح أقرب إلى التعظيم، وفي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ما يرشد إلى ذلك؛ فإنه قال: " أما إني لا أحلف بيمين فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير " (?) فخصص صلى الله عليه وسلم حلّ اليمين بما لو كان حَلُّها خيراً وطاعة، مثل أن يحلف لا يتصدق، فدل مفهوم الحديث على أن الحَلَّ إذا لم يكن طاعة، فلا ينبغي أن يختاره ويؤثره الحالف (?).
وقال العراقيون: ينبغي أن يحنث نفسه وهو محثوث على ذلك، ليتبين أنه بيمينه لم يغير حكمَ الله تعالى، وقد يشهد لهذا صدر سورة التحريم قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ} [التحريم: 1]، ثم استحثه على الحل، فقال تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2]، وهذان الوجهان متناقضان الأول لصاحب التقريب، وهو اختيار الصيدلاني، والثاني للعراقيين قطعوا به، وهو اختيار شيخي.
وذهب (?) ذاهبون إلى أنا لا نحث على الحَل، ولا ننهى عنه، ونرى المباحَ مباحاً كما كان، وقد أشار القاضي إلى هذا، فقال: المباح بعد اليمين مباح، ولو كرهنا