المقدار الذي يتعاطاه المضطر: أحدها - أن يقتصر على سَدِّ الرمق، ومعناه أن ينتهي إلى حالة لو كان عليها في الابتداء، لما جاز له الإقدام على أكل الميتة، ووجهه أن الضرورة تزول بما وصفناه، والتمادي في أكل الميتة مع زوال الضرورة بعيد، وكل لقمة يتعاطاها في حكم أمرٍ منشأ يبتديه، والإقدام من غير ضرورة على ابتداء أكل الميتة بعيد.
والقول الثاني - أنه يجوز له أن يشبع من الميتة، وتوجيه هذا عسر على هذا الترتيب إلى أن نبيّن وجه الحق، ثم هذا القائل لا يعني بالشبع أن يمتلىء حتى لا يبقى للطعام مساغ، ولكن إذا انكسرت سورة الجوع بحيث لا يطلق عليه اسم جائع، فينتهي وينكف.
والقول الثالث - أنه إن كان في مهمهٍ بعيدٍ عن العمران، فيشبع، ليقطع المهمه، وإن كان يقرب من البلد، فيقتصر على سد الرمق.
11646 - هذا ما أطلقه نقلةُ المذهب، واعتقدوا المسألة مختلفاً فيها، وجَروْا على سجيتهم في توجيه قول على قول، والذي يجب القطع به عندنا أنه إذا صار في دوام أكل إلى حالةٍ لو كان عليها في الابتداء، لما جاز له الأكل من الميتة، فلا يجوز والحالة هذه تجويز استدامة الأكل، ومن تخيّل فرقاً، فليس على حظٍّ من الفقه، وحق الإنسان أن يرد فكره وطلبه إلى المَيْز بين ما يمكن تقدير الخلاف فيه، وبين ما يجب القطع به، فالوجه أن نقول: أكلُ الميتة إنما أثبت للخلاص، وليس سبيله كسبيل الترفّه والتلذذ، أو كسبيل طلب الزيادة في الأَيْد والقوة، ثم يجب أن يتصور الناظر ما منه الخلاص؛ فإذا فهمه على وجهه، فهم الخلاص.
فلسنا ننكر أن الموت مما يتعلق به الفكر في المعنى المطلوب، وقد أوضحنا في الفصل الأول أنا لا نشترط العلم بالموت ووقوعِه لو فرض تركُ الأكل، بل يكفي الظن، فهذا ما قدمناه، وفصّلناه، ونحن نضم إلى ما تقدم ما لا بد منه، ولا يتم الكلام إلا به فنقول: ظن الموت إذا وقع على وجهه، فصَدَرُه (?) عن معرفةٍ بأسباب