المهادنة أن نردّ عليهم من يأتينا منهم مسلماً، فإذا لم نف بموجب اللفظ، كنا في مقام الغارّين، والغرورُ سببٌ في الضمان، ولا معاب في الإبهام إذا دعت الحاجة إليه، وكان يتطرق الاحتمال إلى اللفظ، وفي الحديث: " إن في المعاريض مندوحة عن الكذب " (?) وصح: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلان إذا أراد سفراً ورّى بغيره " (?)؛ فلنا أن نوهم ونُبهم، ولكن لا نصرّح، ونُبقي لإمكان الصدق وجهاً، ثم نلتزم الغرم على مقابلة ما نأتي به من الإبهام (?)، وهؤلاء يقولون: لو صالحناهم ولم نتعرض لِرَدّ من يأتينا منهم، فإذا أتتنا نسوة مهاجرات، لم نغرم لأزواجهن شيئاً؛ فإن سبب الغرم على هذه الطريقة، التعرضُ لِردّ من يأتينا؛ فإذا لم يجر ذلك، فلا غرم.
وذهب صاحب التقريب وأئمة العراق، وكل من ينتسب إلى التحقيق أن ثبوت الغرم لا يتوقف على التعرض لردّ من يأتينا منهم، ولكن نفس المهادنة تقتضي الغرمَ إذا امتنعنا عن ردّ النسوة، ووجه هذا أن متضمّن المهادنة (?) عقدُ الأمان، وإزالة التعرض عن الأهل والمال، فإذا جاءت امرأة مسلمة مهاجرة، فمنعناها، فقد حلنا بينها وبين الزوج، وكان ذلك مخالفة لما اقتضته المهادنة، وإن لم يجر لردّ من يأتينا ذكرٌ، وهذا حسن فقيه.
فينتظم من مجموع ما أشرنا إليه مراتب: إحداها - أنا لو هادنّاهم، وشرطنا ألا نرد من يأتينا مسلماً، فإذا أتانا رجال ونساء مسلمين، فلا نرد ولا نغرم شيئاً، وكذلك لو صرحنا بالامتناع عن ردّ النساء. ولو ذكر في المهادنة أنا نرد من يأتينا منهم، ولم