المصلحة والنظر للمسلمين، فهل يجب إجابة الكفار إلى ما يطلبون؟ المذهب أن ذلك لا يجب؛ فإنه ليس للمسلمين منفعة حاقة، بل ينظر الإمام ويقدم ما يراه الأصلح، وليس ما نعلّقه باجتهاد الإمام معدوداً من الواجبات، وإن كان يتعين على الإمام إذا رأى صلاحاً أن يبتدره، ولكن الاجتهاد لا ينضبط، والرأي لا تنحصر مسالكه.

وهذا بمثابة قولنا: لا يجب على الإمام أن يقتل الأسرى من الكفار والمراد به أن الإرقاق، والمن، والفداء ممكن على الجملة، ولا تعيين من جهة الشارع يقطع نظر الناظر واستصواب المجتهد، فالمهادنة مع الكفار كذلك، فإن رأى المصلحة فيها، وإن كانت القوة للمسلمين، فحق عليه أن يُمضي ما يراه، ووجه المصلحة أن يطمع في اختلاط المسلمين بهم، واختلاطهم بالمسلمين وانتشار الدعوة فيهم، وانتشار الدعاة، فلعلهم يرشدون أو بعضهم.

وفي بعض التصانيف أنهم إذا طلبوا الهدنة، وجبت إجابتهم إذا لم يكن منهم مضرّة، وهذا خطأ محض؛ فإن تعيين إيجاب الهدنة والانكفاف عن الجهاد من غير منفعة ناجزةٍ للمسلمين لا معنى له.

11506 - ولو طلب كافر أن يجار ويؤمن ليستمع الذكر، فالذي قطع به الأصحاب أنه تجب إجابته، وقد شهد النص بذلك قال الله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} الآية [التوبة: 6]، وليس هذا من معنى الهدنة بسبيل؛ فإن الهدنة أمان عام لجيل (?) من الكفار، وما ذكرناه الآن استجارة من واحد أوآحاد ليسمعوا الذكر، ثم المستجير لما ذكرناه لو لم يشتغل باستماع الذكر، وبان إضرابه، نبذنا إليه الأمان، ولو استجار ليستمع حجة الإسلام، فهل نقول: إذا أخذ يتردد ويسأل ويجاب، فنمهله أربعة أشهر لهذا الغرض، أم نقول: إذا لم ينفصل الأمر بمجالس يُفرض في مثلها البيانُ التام، نبُذ إليه عهدُه، وقيل له: الحق بمأمنك، فلا فلاح فيك؟ فيه تردد، أخذته من فحوى كلام الأصحاب: منهم من قال: يمهل أربعة أشهر مدة التسييح. ومنهم من قال: لا يلزمنا إلا البيان له، ولعل هذا هو الظاهر، والعلم عند الله تعالى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015