المبارزة وجهاً من المقاتلة، فلا تتم المبارزةُ إلا بأن يأمن كلُّ قِرنٍ في وقت المحاربة أن يُغتال من غير جهة قِرنه، فلئن اتجه هذا، فلا معنى لتسليط كافر على مسلم لا قتال فيه.
وإن كان العهد ممدوداًَ إلى القتال، فإذا ولى المسلم دُبره، فليس للكافر أن يتبعه، وقد ترك القتال، فإن تبعه، دفعناه وقتلناه، فإن ولّى الكافر دبره، فيجوز للمسلمين أن يقتلوه، لأن الأمان له ما داما يتقاتلان، وقد انتهى القتال بينهما.
وإن شرط البارز منهم ألا يتعرض له حتى يرجع إلى الصف، وجب الوفاء بالأمان. ولو أعان الكافرَ جماعةٌ من المشركين، فإن كان باستنجاد من برز منهم، قتلناه، ومن يعينه، فإن أعانوه من غير استنجاده، دفعنا من يعينه، ولم نقتل المبارز، وتركناه إلى قِرنه.
ولا فقه في هذه المسائل، والجامع لجميعها أن المرعي نصُّ الأمان وصيغتُه، فنفي به إذا وافق ما يجوز الأمان فيه.
وحظّ الفقه من جميع ما ذكرناه شيئان: ذكرنا أحدهما - وهو أن الأمان المسلّط على القتل بعد الإثخان باطل. والثاني - أنا إذا جوّزنا للواحد من الصف أن يبرز دون [إذن] (?) صاحب الراية، فلو أمّن المسلمُ البارزُ الكافرَ الذي خرج إليه على ألا يُتعرض له حتى يرجع إلى الصف، فيجب الوفاء بهذا الأمان، وإن لم يجر الأمان إلا منه.
وإذا قلنا: لا ينفرد بالبراز، فلسنا نعني به إذا كالح (?) كافراً لا يجوز، وإنما نعني به أن أمانه لا ينفذ، فلا تنتظم المبارزة والحالة هذه؛ فإن المسلمين يقصدون ذلك الكافر، ويقتلونه.
فهذا معنى تردد الأصحاب في الانفراد بالمبارزة دون الرجوع إلى صاحب الراية، فإن قيل: ألستم تنفذون أمان الواحد للواحد؟ قلنا: هذا إذا لم يكن المؤمَّن مقاتلاً، ووقوف الكافر في الصف قتال.
...