والمعتمد في مقصود الفصل الأخبارُ، والذي تخيله العلماء من الأمر الكلي أن حاجات الغزاة تمس إلى الطعام، والغالب أنهم لا يَلْقَوْنَ في ديار الحرب أَسْوُقاً قائمة، فأطلق الشرع أيديَهم فيما يصادفونه من طعام المغنم، ينبسطون فيه على قدر الحاجة، والفقيه لا يلتزم طردَ معاني الأصول على حدود الأقيسة، وإنما يَنْظم فيها أموراً كلية.

ومقصود الفصل يتعلّق بأنواعٍ: أحدها - في جنس ما يجوز التبسط فيه، والآخر - في المكان، والآخر - في حدّ من يجوز له الأخذ.

أما الجنس، فالمعتمد أن يكون مقتاتاً أو يكون علفاً تستقلّ الدّواب به، كالشعير والتبن وما في معناهما، فأما الأدوية والعقرات (?) التي لا تستعمل إلا دواءً، فالأيدي مكفوفة عنها إلى أن تقسم؛ فإن مسيس الحاجة إليها تُلحق بالنوادر، حتى قال الأصحاب: لو مَرِض من الجند واحدٌ أو جمعٌ، فلا تصير الأدوية في حقهم كالأقوات والعلف. ولكن إنما يأخذونها بقسمةٍ أو بذل قيمة، كما لو مست الحاجة إلى الثياب وغيرها.

والمطعومات التي لا تعدّ للحاجات العامة ملتحقة بالأدوية كالسكّر، والفانيذ، وما في معناهما. وأما ما يطعم غالباً، وليس من الأقوات كالفواكه، ففي جواز التبسط فيها وجهان: أحدهما - يجوز لما روينا مطلقاً عن ابن أبي أوفى أنه قال: " كنا نأخذ من طعام المغنم ما نشاء ". والوجه الثاني - أنه لا يجوز؛ لأن الحاجة لا تتحقق فيها، ويمكن أن نفصل بين ما يتسارع الفساد إليه، ويعسر نقله، وبين ما لا يتسارع الفساد إليه.

فإذاً الأقوات والعلف محلُّ التبسط، والأدويةُ والأطعمة التي لا يعم أكلها في أعيانها ملتحقة بالثياب، وفي الفواكه التي يعم اعتيادها الخلافُ الذي ذكرناه، فأما الحيوانات، فما تيسّر من سوقها تساق، والغنم تذبح، والأصح أن مسلكها مسلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015