"من أدرك ركعةً من العصر قبل أن تغرب الشمس، فقد أدرك العصر" وهذا قد تمسك المزني بمفهومه. وليس في الحديث ما يدل على التعرض لزوال الضرورات، بل ظاهر معناه: إِن تلبس بفعل الصلاة وتحرم بها، صار مؤدياً للصلاة، ولم يكن قاضياً إِذا أدرك مقدار ركعة، وهذا يدل على توجيه ما سبق من ذكر الأداء والقضاء في وقوع بعض الصلاة وراء الوقت.
ثم الجواب السديد عن الحديث، أن ما ذكره الفقهاء من إِدراك مقدار تكبيرة فليس مما يفرض وقوعه، ويقدّر تعلق الحسّ بهِ، وإِنما ذكروه تقديراً لبيان مناط الأحكام على التقديرات، وإِن كان لا يقع، ومقصود حَمَلَةِ الفقه في التقديرات بيانُ مأخذ الأحكام، وتمهيد طرق الاستنباطات في مواقع الإِمكان، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يتعرض لمثل هذا، وإِنما ينوط حكمَه وقضاءه بما يقدّر وقوعه، وأقلُّ ما يحصل إِدراكه مقدارُ ركعة، ولعلّه لا يفرض أيضاً إِلا مع الترصد، وإِحضار الذِّهن، فجرى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يقع، وهو اللائق بمنصبه، وجرى كلام الفقهاء على التقدير.
667 - ومما يتعلق به المزني أنه قال: "إِدراك الجمعة يختص بمقدار ركعة، ولا يحصل بأقلَّ منها" (?) وهذا الذي ذكره غير واقع؛ فإِن الأصل إِقامة الصّلاة أربع ركعات، والجمعة مُغَيَّرةٌ عنها بشرائط، والقياس، أن من عَدِم الجماعة في جميعها أو في شيء منها، لم يكن مدركاً لها، وكان مردوداً إِلى الركعات الأربع، ففي إِدراك الجمعة إِسقاطٌ للرَّكعتين، فكان حكم الإِيجاب أغلب، وهذا المساق يقتضي أن يُغلَّب حكم الإِيجاب في مسألتنا، ويكتفى بمقدار تكبيرة.
ونظير ما نحن فيه: لو أوقع المسافر تكبيرةً في الحضر وهو في السفينة، فَجَرَت، يلزمه الإِتمام، وإِن لم يتم ركعة في حالة الإِقامة، فهذا بيان القولين.
668 - ثم أجمع علماؤنا على أنها تصير مدركةَ الظهرَ على الجملة بإِدراك وقت العصر، وإِنما الاختلاف في أنها بماذا تصير مدركة لها؟ فقال الشافعي في قولٍ: مهما