حكيناه في أن العبيد هل يتعين عليهم الجهاد إذا وطىء الكفار طرفاً من بلاد الإسلام؟ فإن قلنا: يتعين عليهم، فهم إذاً من أهل القتال، فإذا وقفوا في الصف وهم مسلمون يتعين عليهم المصابرة ديناً، فيكون استئجارهم بمثابة استئجار الأحرار. وإن قلنا: العبيد لا يتعين عليهم الجهاد إذا وطىء الكفار بلاد الإسلام، فقد بان أنهم ليسوا من أهل الجهاد، حتى يفرض وقوع الجهاد عنهم إذا اصطف الحزبان، فاستئجارهم كاستئجار أهل الذمة.
11316 - ومما يتعلق باستئجار أهل الذمة أن الإمام لو لم يستأجرهم، وأخرجهم قهراً، فقد أساء، فإذا كلفهم الخروجَ والقتال، فإنه يلتزم أجرَ مثلهم، فإن أخرجهم قهراً، كما وصفنا، ثم خلاّهم، فعليه أجرتهم من وقت الإخراج إلى وقت التخلية، ولا يضمن أجر مثله بعد التخلية إلى أن يعود إلى وطنه، لأن منفعته عادت إلى يده، فلئن كان يبغي الرجوعَ إلى وطنه، فليفعل ما بدا له.
ولو استسخر الإنسانُ حُرّاً، غرِم له مثلَ أجر منفعته، وإذا حبسه ولم يستعمله، ففي المسألة وجهان ذكرناهما في الغصوب، وليس ما ذكرناه من تخلية الكافر بمثابة الحبس؛ فإن الكافر غيرُ ممنوع عن التقلب بعد التخلية، بخلاف الحرّ المحبوس؛ فإن منفعته تفوت عليه، ومن قال: لا ضمان على حابس الحر، فمتعلّقه أن منفعته تَلِفَتْ تحت يده، ولم يتلفها عليه الحابس بالاستعمال والاستئجار.
11317 - ومما أجريناه في قَسْم الغنائم، ونحن نعيده الآن: أن أهل الذمة إذا حضروا الواقعة بإذن الإمام، فيستحقون الرضخ، وإن حضروا بغير إذن الإمام، أو نهاهم الإمام، فلم ينزجروا، وحضروا، فللأصحاب اضطرابٌ في ذلك: والمسلك المرضي أنهم لا يستحقون الرضخ إذا لم يكن شهودهم وخروجهم بإذن الإمام، أو بإذن من إليه الأمر؛ فإنهم ليسوا من أهل الذب عن الإسلام، ثم إذا لم يكن إذنٌ، فلا فرق أن يحضروا من غير نهي وزجر، وبين أن ينهاهم صاحب الراية، فيشهدوا مراغمين.
ومن أصحابنا من قال: إذا شهدوا من غير نهي وزجر، ولا إذن، فلهم الرضخ؛ فإنهم بالعهد المؤبد صاروا على الجملة من أهل الدار، ولم يبد منهم تخذيل. حتى